الخبر: اكتشاف 769 طفاية حريق مقلدة من أصل 1771 جهاز إطفاء بجامعة بنها؟.. «إيه يعنى، الخبر عادى وكل يوم بيحصل».
لا.. لا تقرأ الخبر هكذا، ولا تتعامل معه باستهتار، سنقرؤه سويًا بزاوية مختلفة، تخيل معى لو أن حريقًا نشب بجامعة بنها، وحاولت أنت أن تخمد النار بـ«طفايات الحريق»، واكتشفت أنها مقلدة ولا تعمل، أظن أن النتيجة الطبيعية أن النيران ستمتد لكل مبانى الجامعة، مدرجات ومعامل، ووقتها ستقع خسائر بالملايين لا تقل فى الأرقام عن الـ300 مليون التى خسرناها فى حريق قاعة المؤتمرات.
الأصل هنا أن الـ769 طفاية حريق المقلدة، هى نموذج واضح لفساد لا يزال يسرى فى جسد الدولة المصرية رغم كل الحديث عن مصر والمستقبل والتحديات والتضحية من أجل البلد، لأننا بكل بساطة أمام ثلاثة أوجه للفساد، الأول هو الشركة التى تتاجر فى «الطفايات» المقلدة فى السوق بكل أريحية، دون أن ينكشف أمرها، لدرجة وصلت أنها تعاقدت مع مؤسسة كبيرة بالدولة مثل جامعة بنها، والثانى هو الموظف الإدارى بجامعة بنها الذى وافق على التعاقد مع الشركة المزورة، ووافق على تلك الدفعة المقلدة من «الطفايات»، والثالث هو المشرف على أعمال الصفقة، وصاحب التوقيع النهائى الذى يتولى إجراء تجارب لـ«الطفايات» قبل الاعتماد الرسمى.
هؤلاء جميعهم مشتركون فى الفساد، وإن أردنا القضاء على الفساد فعلينا التخلص من هؤلاء بمجتمعنا، هم بمثابة ورم خبيث لابد من استئصاله.
الأمانة فى الحديث عن الفساد تقتضى اقتران حديث «غش الطفايات» بغش الطرق، فكلنا يعلم تمامًا الملايين التى تنفق سنويًا على الطرق، وفى النهاية يخرج الطريق بـ«مطبات» وفواصل غير مطابقة للمواصفات، ويتم اعتماد الطرق بعيوبها.. لماذا؟، لأن لدينا نفس النماذج الثلاثة من الفساد فى الطرق أيضًا، فلدينا شركة مقاولات تغش بالطريق، ومهندس يتسلّم الطريق بعيوب، ومشرف يعتمد التوقيع النهائى للتسلّم لأنه حصل على ما يريد «تحت الترابيزة».
أخيرًا، بكل شفافية، وبعد تقديم الاحترام للشرفاء.. الفساد يكمن فى جهازنا الإدارى، يعشش فى أغلب درجاته الوظيفية، وقوانينا الروتينية تساعد الموظف على السير فى الطرق غير المشروعة، ينكشف قليلًا منها عبر أجهزتنا الرقابية، لكن المئات شهريًا تتم بعيدًا عن عيونها.
اسأل نفسك: لماذا تغرق طرقنا بعد سقوط قليل من الأمطار رغم أن الطرق لم تمر على إنشائها أشهر قليلة؟ هل لأن «البلاعات مسدودة» أم لأن «حنفية الفساد مفتوحة»؟!