قالت لى السيدة الخمسينية والدموع تترقرق فى عينيها: «هل هذه هى الزمالك التى تربينا فيها وعشنا؟ كيف تحولت إلى بؤرة للقبح والفوضى؟ كيف هان على المحافظ أن يترك أكوام القمامة متراكمة فى الممرات وعلى رؤوس الشوارع»؟
الحق أن من يتجول فى زمالك هذه الأيام يعتريه الأسى لما آل إليه الحى الراقى الشهير، فقد تكدست المحلات وفاضت بضاعتها على الأرصفة، وانتشرت المقاهى واستولى روادها على أكثر من نصف الشارع، أما «الزبالة» ففى كل مكان، حتى صار كثير من سكان الحى يتجنبون الخروج من منازلهم حتى لا تكوى صدورهم المناظر البائسة التى انتشرت فى السنوات القليلة الماضية.لم تنتظر السيدة الفاضلة تعليقى، وإنما قالت فى لحظة تنوير مفاجئة: «أشعر أن هناك خطة خبيثة لتحويل الزمالك إلى حى عشوائى»، ثم سكتت ولم تضف شيئا.تأملت عبارتها، وتساءل باطنى: هل تعمل الحكومة على تنغيص الحياة اليومية لقاطنى الحى العريق، ليهجروه، ثم تهدم الفيللات والمبانى القديمة لتباع الأرض بالمليارات؟
ليس عندى إجابة، لكنى موقن بأن هناك شيئا ما مريبًا يدفع المسؤولين إلى التعامل مع الزمالك باستخفاف وإهمال، الأمر الذى يجب أن نفهمه ونتصدى له إذا كان الهدف مشبوها والغاية رخيصة.يجب أن أوضح أننى لست من أهل الزمالك ولا من ساكنيها، فأنا ابن شبرا، لكن فى أكتوبر من عام 1979 دخلت الزمالك للمرة الأولى فى حياتى، عندما التحقت بكلية الفنون الجميلة، وكم كانت سعادتى - فى ذلك الزمن - أن أسير فى شوارع نظيفة هادئة تغمرها الأشجار باللون الجميل والظلال الحانية.خمسة أعوام قضيتها فى رحاب الزمالك، أحج إليها يوميًا، وقد التقيت - بالمصادفة - فى شوارعها الهادئة المترعة بالسكون والجمال نجوما فى الأدب والفن، وتحدثت إليهم مثل محمود المليجى وبيكار ومحمد زكى عبدالقادر وعبدالله غيث وكمال الملاخ وصلاح ذو الفقار، أما الآن فقد صارت الزمالك مرتعا للأذى البصرى والصخب السمعى، ورحم الله الأستاذ أحمد بهاء الدين الذى كتب مرة: إننا لا نملك حيًا راقيًا، ولكن قد يكون هناك شارع محظوظ، ويبدو أننا فقدنا هذا الشارع أيضا!