ولكن هل جميعنا يستقبل تلك الأعياد الرمزية بنفس الترحاب؟ فإجابة السؤال هى لا، لأن هناك من يمثل له عيد الأم معاناة تستحق الهرب منها، كما ذكر لى أحد زوار عيادتى بنفس النص قائلاً:
"عايز أهرب فى أى مكان لغاية ما الاحتفالات بعيد الأم دية تخلص، مش قادر أستحمل الضغط النفسى الرهيب".
وكما ذكرت إحدى زوار عيادتى أيضاً، قائلة لى:
"ياريت كان فى رحمة باللى زيى، اللى بالنسبة لها احتفالات عيد الأم معاناة".
وببساطة شديدة ومن خلال هذين المثالين، نجد كثيرا من الناس ماتت أمهاتهم ولم يجدوا بديلاً لها أو عنها، ولم تمت مشاعرهم بل صارت فى تلك الاحتفالات تؤرقهم وتعكر صفو حياتهم، يتجنبون خلال أيامها الحديث عنها أو سماع ما يخصها من إذاعة أو مشاهد أو أخبار.
فمثلت تلك الاحتفالات بعيد الأم لهم، صحوة جديدة لمشاعرهم، وإثبات أكبر لضعف موقفهم وقلة حيلتهم فى استعادة ما لا يمكن عودته.
وهناك مثال آخر، فكان لسيدة تزوجت منذ عقدين من الزمان ولم تنجب ومات زوجها، ولم يعد أحد يسأل عنها، فاستعانت على وحدتها بالاجتماعيات والاشتراك فى النشاطات والأعمال الخيرية، حتى إذا حلت لعيد الأم الاحتفالات زادت عليها المنغصات، وأصبحت عاجزة عن الدخول فى تفاصيل تلك الأيام، زاهدة عن التعرض لتلك الاحتفالات، راهبة فى بيتها رافضة الخروج منه، خائفة من مصير قد يكون محتوما لها أن تموت ولا تجد من يعرف بها.
ومن هنا أنصح بشمول هذين النموذجين وغيرهما بالرعاية فى احتفالاتنا بعيد الأم، فكل من قرر أن يؤتى بهدية لأمه لو بحث عن أم لم تجد من يأتى لها وزارها خفف عنها ما تعانية، وأخذ بيدها ورفع معنوياتها وأخذ ثوابها وفضل فِعله معها.
ومن المتعارف عليه أن كل أم يأتى لها أبناؤها بهدايا، فعليها أن تنظر حولها، وتتدبر من فقد أمه وتحاول أن تجذبه إلى الاهتمام بها أو إشراكه فى أمر احتفالها، أو العمل على الشد من أذره والوقوف بجانبه أو لعب جزء صغير من اهتمام أم بولدها، فقده الولد ولم يبق له إلا تذكره لها.
وفى النهاية.. أن يكون تكريم الأمهات المثاليات قائم على المعطاءات لا العلاقات قائم على الإنجازات لا الإعلانات قائم على دعم الفقيرة ومساندة المعيلة وعلاج المريضة وكفالة اليتيمة وفك كرب الغارمة، وعون للأرملة مع إظهار مواقفهم العديدة، وسلوكياتهم الرشيدة فى تلك الاحتفالات.