قبسٌ من سراج وهّاج، روض من رياض الجنة على الأرض، مهد الحياة، أنشودة أمل تبعث فى داخلك الدفء والحنين، واحة السكينة والهدوء والطمأنينة، الصديقة الصدوقة الأصدق لأقرب الناس لها، معزوفة لحنية لا يمكن أن تمل منها أبدا، إنها الأم.
الأمومة إحساس لا يمكن وصفه مهما استخدمنا من كلمات القواميس، لغة لا يمكن ترجمة مفرداتها، لأنها وحدها تُتقن تفسيرها، مشاعر جياشة لا تنضب مهما نهلت منها، حقًا إنها الوحيدة التى يُتعبها الحب ومع ذلك، فهى لا تكتفى من هذا التعب مطلقا، بل ترغب دائمًا فى المزيد والمزيد.
تضحياتها على مر السنين مع أبنائها وزوجها تُؤلف فيها الكتب، العطاء بلا مقابل وبلا حدود، سر إلهى يبثه المولى عز وجل فيها، فلا تُجهد نفسك فى اكتشاف غموضه، لأنك مهما حاولت ستفشل فى حل اللغز أو حتى فهمه.
مسابقة الأم المثالية التى تُعقد كل عام، يجب أن لا تكون مسابقة تفوز فيها أم واحدة، فجميعنا لدينا أم مثالية، جميعنا لدينا أم ضحت وعانت وقاست من ظروف الحياة، لكى تُربى أبنائها أفضل ما تكون التربية، ساهمت فى جعلهم عضو عامل، وفعّال فى نهضة مجتمعهم، حتى وإن لم تنل هى القسط الكافى من التعليم مثلهم، لكن فطرتها أدركت أهمية التعليم وفائدته العظيمة فى الارتقاء بالوطن، فكيف لا تكون أمى أو أمك الأم المثالية؟ هل بالمسابقات تحظى أمهاتنا باللقب؟!! بالطبع لا.
المثل الشعبى القائل "اللى بلا أم حاله يغم"، حقيقى ومعبر جدًا، ففقدان الأب يُفقدك الأمان، لكن فقدان الأم يُفقدك أشياء معنوية أكثر منها مادية أو ملموسة، لن تعرف قيمتها إلا بعد أن تُدرك عدم وجودها فى حياتك، فيكفى أن تقرأ الحديث المتداول "يا ابن آدم ماتت التى كنا نُكرمك من أجلها، فاعمل لنفسك نُكرمك"، حتى وإن ذهبت الكثير من الأقاويل أنه ليس بحديث، فهو فى حد ذاته يوضح حقيقة الصلة الروحانية بين العبد وربه فى رضاء الأم عليك، ودعائها المستمر لك فى كل أمور حياتك أن يوفقك سبحانه وتعالى ويرعاك ويحفظك وييسر لك أمورك، فبرضائها وحده يرضى الله عنك، وبدعائها فقط تُفتح لك جميع الأبواب المغلقة فى وجهك، لذا ما يحدث من عقوق الأبناء لوالدتهم مرض خبيث يُصيبهم وندعو الله لهم أن يتم شفاءهم منه وبسرعة، لأنه لا يفيد البكاء على اللبن المسكوب بعد ضياع العمر، وعندما تأتى ساعة الحساب و"يا ليتنى" لن تشفع ولن تنفع، فهنيئًا لمن عرف قيمة وجود أمه فى حياته قبل أن يفقدها.
أمى، أنتِ لى الحصن المنيع من الوقوع فى الزلات والأخطاء، أنتِ لى الملجأ الوحيد من ظلم الحياة وقسوة من فيها، أنتِ القدوة والمثل الأعلى، أنتِ كنزى فى هذه الدنيا وأنا ميراثك الذى عانيت سنين طويلة كى تجمعيه فأنا "شقا عمرك"، وأدعو الله فى كل صلاة أن يجعلنى الميراث الذى تفخرين به ما حييتى، كما أدعوه عز وجل أن يحفظك لى ويُطيل لى فى عمرك ويرزقك العافية، ويجزيك خير الجزاء على صبرك وتحملك مصاعب الحياة من أجلنا، نعم هذا واجبك، ولكنه حق علينا أن نرعاكِ فى شيبتك كما راعيتنا فى شبابك ولم تبخلى علينا بعمرك، وكيف لا أكون ملك يمينك والجنة تحت قدميك!!
حفل الأم المثالية - أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة