فى زيارة قبل 3 سنوت للخرطوم مع وفد شعبى عقب ثورة يناير، دار النقاش مع كبار المسؤولين السودانيين عن تدهور العلاقة المصرية السودانية والإفريقية بشكل عام، وأرجعه المسؤولون السودانيون السبب إلى أن مبارك لم يكن يولى إفريقيا أى اهتمام، وكان يتعامل معها بمنطق المصلحة فقط، يقترب وقت المصلحة، ويبتعد وقت غياب المصلحة، فضلا عن أنه جفف العلاقة الإنسانية بين الشعب المصرى والإفريقى إلى علاقة جافة بين مسؤولين فى الحكومة المصرية والدول الإفريقية فى المحافل والمؤتمرات الرسمية فقط.
اليوم بعد مشهد الرئيس عبدالفتاح السيسى فى الخرطوم، وهو يجلس إلى جوار رئيس السودان ورئيس الوزراء الإثيوبى، يبدو واضحا أن مسارا جديدا فى العلاقات المصرية الإفريقية يترسم بأسلوب مختلف وبنمط دبلوماسى مختلف مبنى على التعامل الدائم لا وقت المصلحة فقط.
من بين أهم الدلالات الإيجابية فى لقاء الخرطوم هو نجاح الجانب المصرى نسبيا فى تحول العدو إلى صديق دبلوماسيا، فإثيوبيا التى كان سدها يهدد الأمن المائى المصرى، هى نفسها إثيوبيا التى يتعهد رئيس وزرائها بالحفاظ على مصلحة مصر المائية، وهو تعهد أمام المجتمع الدولى ومرهون باتفاقية أولية وبإجراءات تنفيذية تباعا خلال الشهور المقبلة.
الجديد أيضا فى ملف الخرطوم أننى كمواطن أتلمس تحركات نوعية وأفكارا خارج الصندوق من دائرة صنع القرار حول رئيس الجمهورية، وتحديدا القائمين على الملف، سواء اللواء خالد فوزى رئيس المخابرات العامة، والوزيرة فايزة أبوالنجا مستشارة الرئيس للأمن القومى، وكلاهما لعبا دورا فعلا للوصول إلى مشهد الخرطوم، وكانا حاضرين بقوة وجلسا بالمقاعد الرئيسية بالمؤتمر.
أظن أيضا أن مشهد البرلمان الإثيوبى والكلمة التى سيلقيها الرئيس عبدالفتاح السيسى للشعب الإثيوبى سيكون لها الدور الكبير لتقريب وجهات النظر، بشأن مفاوضات سد النهضة، خاصة أن أحد أهم العبارات التى استخدمها السيسى فى كلمته بمؤتمر الخرطوم كانت أن القاهرة لا تسعى إلى تحقيق مكسب منفرد على حساب أديس أبابا، ولكن تسعى إلى الشراكة باعتبار أن إثيوبيا دولة منبع، ومصر دولة مصب.
الخرطوم بلا شك مرحلة هامة على طريق النجاح، ليس لمفاوضات سد النهضة فقط، ولكن لمصر الإفريقية التى غابت عن القارة السمراء سنوات طويلة وستعود بفضل الدبلوماسية الناعمة.