لما كان الدين يمثل لأصحابه العقيدة الأهم التى تنظم العلاقة بين الإنسان وبين الله، وتحدد ذات العلاقة بين الإنسان والآخر، بل هى التى تسير حياة مريديها وتحدد شكل هذه الحياة فيما بعد الموت، لذا نجد ما يسمى بالخطاب الدينى يأخذ ذات الأهمية وتلك الخصوصية، حيث إن هذا الخطاب هو الوسيلة التى ترسل الدين ممثلاً فى النص الدينى إلى مستقبليه فى شكل اجتهادات وتفسيرات وأراء تخص أفراداً أو جماعات أو تنظيمات أو مذاهب أو طوائف كل منهم، معتقداً أنه يمثل صحيح الدين دون غيره، وهذا ما يطلق عليه الفكر الدينى وهو تفسير واجتهاد البشر غير المقدس للنص الدينى المقدس، وهنا يصبح هذا الخطاب وذلك الفكر هو الأهم فى تشكيل وعى رواده ورؤيتهم ومفاهيمهم الدينية أن صواباً يتسق مع صحيح النص أو خطأ يستغل النص الدينى بعيداً عن مقاصده العليا، فالخطاب الدينى لا يؤثر فى مستقبليه ومريديه فحسب، بل يؤثر فى مجمل المجتمع بكامله، حيث إن هذا الفكر يتحول إلى سلوك ومعاملات مع الآخر الدينى وغير الدينى، حيث إن الدين المعاملة والإيمان بدون إعمال إيمان ناقص، وهنا يصبح كل من الخطاب الدينى الإسلامى والمسيحى ذات تأثير كل منهما على الآخر، سواء كان هذا بطريق مباشر أو غير مباشر عن طريق التعامل البشرى اليومى أو عن طريق الفعل ورد الفعل السلبى والإيجابى لكل منهما على الآخر. ونرى ذلك عملياً فى الخطاب الدينى السلفى المتطرف ضد المسيحيين، وفى مواجهته الخطاب الدينى المسيحى المتطرف من أمثال القس زكريا بطرس، كما أن هذا التأثير لا يقتصر على تشكيل الفكر وحشو العقل وغسل المخ بأفكار لا علاقة لها بصحيح النص، ولكن يوجد دور آخر سلبى لهذا الخطاب، وهو نشر الفكر الغيبى «بعيداً عن جوهر الإيمان بالله الذى لا يرى» والذى يعتمد على النقل لا للعقل الذى يقدس الموروث دون غربلة السلبيات من الإيجابيات خالطاً بين ما كان يخص الزمان والمكان، وبين ما يجب أن يتواكب مع المتغيرات والتطور الذى يجب أن تعامل معه بالقياس وفقه الواقع، حيث إن النص لكل زمان ولكل مكان ولا يقتصر على زمان بعينه ولا مكان بذاته. والفكر الغيبى والأسطورى هو نقيض الفكر العلمى والموضوعى، فالأديان قدست العقل والله ميز الإنسان بعقله الذى أصبح الآن يحدث المعجزات العلمية فى مجال الطب وغيره من المجالات، كما أن هذا الفكر الغيبى والأسطورى هو الذى يشكل وعياً مسطحاً وفكراً مغيباً وعقلاً خاملاً وسلوكاً متخلفاً، والفرق بين الغيبى والعلمى هو الفرق بين التخلف والتقدم وهو الفرق بين من يهاجر إلى الماضى الذى راح، وبين من يستشرف المستقبل الآتى، والأهم هنا أن هذا الفكر الغيبى والمتخلف يُطرح باسم الدينى المقدس، لذا يتحول هذا الفكر غير المقدس إلى جزء من الدينى المقدس، آخذاً نفس الأهمية للدين، مما يسهل لأصحاب الغرض ومحترفى المتاجرة ومستغلى الأديان باستغلال هؤلاء المغيبين لمصالحهم الذاتية وأهدافهم التنظيمية ومؤسساتهم الدينية، وكل طائفة فى مواجهة الطوائف الأخرى وكله باسم الدين، والمثل الصارخ هنا هو ذلك الانتشار المخجل لفكرة المعجزات لدى المسيحيين، فالخطاب الدينى المسيحى يخلط بين المعجزات الكتابية التى لا تناقش وبين المعجزات الغيبية والأسطورية التى تزيد العقل تخلفاً، وتحول الإيمان إلى تابوهات أسطورية، فالرمل الذى حول مقبرة أحد القسس تشفى كل المرضى وكل صور القديسين ينزل منها الزيت. الإيمان فى القلب وعنوانه العمل ولذا تطوير الخطاب الدينى بجناحيه هو مفتاح التقدم لمصرنا الغالية.