كثيرون يشكون من غصة تجثم على أنفاسهم وكآبة وغم يخيمان على حياتهم. أحيانا لا يكون السبب واضحا ولا يجد ذلك المهموم مبررات ظاهرة لتلك الحالة من النكد الذى يعتريه. ليس شرطا أن تجد فى واقع ذلك المهموم مشاكل مادية أو تعقيدات حياتية أو أزمات عاطفية أو مصائب عائلية، بل كثيرا ما تجد العكس، ومع هذا تستمر الشكوى من الاختناق والضيق والحزن. لماذا لم نفكر أن تلك الغصة التى تجثم على أنفاسنا وتختنق بها صدورنا سببها ذنب لم نأبه به أو خطيئة حسبناها هينة وهى عند الله عظيمة؟ لماذا لم نضع فى اعتبارنا أن هذه الكآبة التى تخيم على حياتنا هى مجرد عَرَض ينبهنا الله به إلى مرض علاجه بسيط يسير لمن يسره الله عليه، علاجه توبة. لقد ذكر الله لنا فى كتابه حالة شبيهة بتلك الشكوى التى تكثر هذه الأيام ووصف أصحابها بأنهم قد ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، ومرت بهم لحظات من البلاء والكرب الشديد حتى ضاقت عليهم أنفسهم، ثم جاءت البشرى وفرّج عنهم.. ومتى ذلك؟ لما صدقت توبتهم فتاب الله عليهم وغفر لهم. «وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ» (التوبة 118) ولقد سمى رسول الله ذلك اليوم الذى فرج الله فيه كربهم بـ(خير يوم) مرّ عليهم منذ ولدتهم أمهاتهم، إذا فخير يوم فى نظر نبينا، صلى الله عليه وسلم، هو يوم التوبة وهذه حقيقة مجربة.
أكثر الأيام بهجة وسعادة هى تلك التى تمضى بغير معاصٍ وآثام، أو تلك التى يوفقك الله فيها إلى شىء يسير على من يسره الله عليه توبة تلك القيمة العظيمة التى خاطب الله بها كل الأمة فقال: «وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون» تأمل الكلمة جميعا الكل مخاطب بها، مكلف بأدائها فكلنا بنو آدم وكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين من يدركون هذه القيمة ويتوبون ومكمن خيرية التوابين فى طهارة فطرتهم ونقاء قلوبهم التى لا تسمح لهم بأن يمكثوا طويلًا تحت وطأة المعاصى أو يطول عليهم الأمد فى رجس الخطيئة، فإذا أخطأوا أو زلوا بحكم كونهم بشرا ليسوا معصومين فإنهم يسارعون للاستغفار والتوبة والأوبة إلى رحابه؛ لأنهم يعلمون جيدًا «أن الله هو يقبل التوبة عن عباده»، وأنه لا يغفر الذنوب إلا هو فيكونون ممن قال الله فيهم: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ).
للأسف هذه القيم صارت إلى حد ما مبهمة لدى كثير من شبابنا وحتى من يعرفون عنها بعض المعلومات العامة فإن غالب تلك المعرفة يكون كلاما جامدا سمعوه فى خطبة جمعة أو حلقة عابرة فلم يدركوا معانيه ولربما استصعبوا تحقيقها، إخلاص وندم وإقلاع وعزم، شروط أربعة للتوبة زاد عليها بعض العلماء شرطا خامسا وهو رد الحقوق، والاستحلال من المظالم فى حالة المعاصى المتعدية للغير. شروط سهلة ميسورة لمن يسرها الله عليه، وأدرك أنها ليست مجرد قواعد جامدة تردد فى خطب روتينية ومواعظ نمطية، ولكنها منهج حياة يستصحبه المؤمن فى كل أحواله ويحيا به ويتعايش معه، وهذا ما نكمل الحديث عنه فى المقال القادم إن شاء الله تعالى لعلنا ننعم بخير يوم يمر علينا، يوم التوبة.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب الاصيل
هل غصتنا لها علاح بعد 50 سنه مرار
بدون