لا يكاد يمر يوم إلا ونرى ونسمع أن مدرسًا ضرب تلميذًا ضربًا مبرحًا أدى إلى كسر ذراعه، أو إحداث نزيف لآخر، بل يتعدى العقاب إلى حد القتل، كأنها أصبحت «موضة» بين المدرسين، يتباهون بها أمام بعضهم البعض، بأنه «مسيطر على العيال فى الفصل». يختلف البعض حول الضرب كأحد أساليب العقاب التى يلجأ إليها المعلم مع التلاميذ الذين فشلت معهم كل سبل الفهم والشرح، أو هؤلاء الذين أعيوا زملاءهم ومدرسيهم من مشاكساتهم المفرطة داخل المدرسة.
لكن تُرى أى سبب وأى عِلم هذا الذى يدفع مدرسًا لقتل براءة طفل كل ذنبه أن والديه أرادا أن يصبح عضوًا نافعًا فى المجتمع، فألحقاه بمدرسة تؤهله لذلك؟.. لا أدرى أين ذهب أصحاب الحناجر التى كانت تنادى بفصل تلميذ، وتلقينه أقصى عقوبة لأنه تعدى على معلمه بالضرب أو السباب.
المعلم أصبح يرى أنه لا مانع فى سبيل استعادة هيبته أن يحول جيلًا بأكمله إلى مجرمين وبلطجية، فالضرب - كما يؤكد خبراء نفسيون- يخلق كراهية لدى التلميذ تجاه أستاذه، كما يولد لديه العنف الذى يترجمه بين أقرانه داخل المدرسة وخارجها، فنرى اعتداء بين الأطفال أنفسهم لبعضهم البعض، وقد تولدت لدى التلميذ أمراض نفسية خطيرة. للأسف لم يعد هناك رادع قوى يمنع المعلمين من الاعتداء الصارخ على التلاميذ، فلا فتاوى تجدى، ولا قوانين تغل يد هؤلاء المعلمين عن تلاميذهم، حتى إن بعضهم نسى أنه فى الأساس ولى أمر.
من هذه القوانين التى أصبحت حبرًا على ورق، القرار رقم 591 لسنة 1998 الذى يحظر حظرًا مطلقًا فى جميع مراحل التعليم قبل الجامعى العام أو الخاص إيذاء الطالب بدنيًا بالضرب على أى حال أو بأى وسيلة، ويقتصر على توجيه الطلاب ومتابعة أدائهم ونشاطهم، والقرار رقم 12 لسنة 1996 المعدل بالقانون رقم 126 لسنة 2008 الذى ينص على مراعاة واجبات وحقوق مسؤولى رعاية الطفل، وحقهم فى التأديب المباح شرعًا، كما يحظر تعرض الطفل عمدًا لأى إيذاء بدنى ضار، أو ممارسة ضارة أو غير مشروعة، وللجنة الفرعية لحماية الطفولة المختصة اتخاذ الإجراءات القانونية عند مخالفة هذا النص.
إننا مع الحفاظ على كرامة المعلم، وألا يعتدى عليها طالب أو ولى أمر، ونعلم جيدًا كم الاعتداءات والمضايقات التى يلقاها المعلم يوميًا من تلاميذ لديهم انفلات أخلاقى يجب أن يتصدى لهم المعلم، ونعلم أنه لا غنى عن أسلوب الترهيب والترغيب والثواب والعقاب بين التلاميذ، لكنه قطعًا لا يكون بالضرب المبرح الذى يتسبب فى إحداث عاهة مستديمة أو حرمان الطفل من الحياة. هناك بدائل كثيرة يمكن أن يلجأ إليها المعلم لمعاقبة التلميذ المخطئ، فلماذا مثلًا لا يتم تفعيل دور الأخصائى الاجتماعى داخل المدرسة؟.
ولا مانع من اللجوء إلى الضرب بعد أن تنتهى كل وسائل العقاب الأخرى، لكن أن يكون الضرب خفيفًا مع تأنيب يدفع التلميذ للأمام دون إيذاء جسدى، وأن يكون الضرب نابعًا فعليًا من خوف المعلم على مصلحة التلميذ لا لإرهابه فقط، أو حفاظًا على هيبته كمعلم.. أخيرًا يجب على وزارة التربية والتعليم أن تعقد دورات تربوية إجبارية للمعلمين لتأهيلهم وتدريبهم على معاملة التلاميذ، خاصة فى مراحل التعليم الأساسى، ووضع آليات ومعايير للثواب والعقاب داخل الفصل.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة