العمل بسيط ولكن القلب كبير.. والعمل سهل ولكن المشاعر النبيلة المحبة للناس دافئة ودافقة.. فهذا الرجل لا يعرف الذين مروا أو سيمرون من الطريق ولا يعرفهم، ولكنه يريد لهم الخير والعافية ويتمنى لهم السلامة. وفى المقابل كان هناك إعرابى لقى الرسول (صلى الله عليه وسلم) خارجاً من المسجد فاعترضه داعيا: «اللهم ارحمنى ومحمدا ولا ترحم معنا أحدا» فدهش وغضب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لدعائه ولم يملك إلا أن يصحح له فكرته السوداء بلطف وترفق فقال مداعبا له ومصححا للأجيال: «لقد ضيقت واسعا يا أخا العرب»، فهذا الأعرابى يمثل نموذجاً ضيق الأفق أسود القلب يريد أن يضيق رحمة الله التى وسعت كل شىء لترحم اثنين فقط دون الآخرين. والفرق بين هذا الرجل والأعرابى كالفرق بين الثريا والثرى.. وبين الحب والكراهية.. وبين الإقبال على الناس ومودتهم والإدبار عنهم وبغضهم.
إن المشكلة لم ولن تكون يوماً فى رحمة الله ولا فى قلة فرص الحياة السعيدة ولا فى الرزق الحلال ولا فى عدد المناصب.. ولكن الضيق يكون دوماً فى القلوب السوداء والنفوس الجشعة التى تمثلها نفس هذا الإعرابى والتى تريد احتكار كل شىء. إن إنانية هذا الأعرابى وجفاءه زحفت على أكثر القلوب اليوم.. أما الرجل الذى يتقلب فى الجنة فهو يملك قلباً واسعاً يسع خلق الله جميعاً.. يحبهم جميعاً لأنه يحب المحبوب الأعظم وهو «الله سبحانه» الذى تنبثق منه كل المحاب.. فيحب من أحسن إليه ومن أساء إليه ومن عدل معه أو ظلمه.. ويحب الطير والجماد والسماء والأرض.. يحب الناس جميعاً ويرجو لهم الخير حتى وإن لم يصله.
إن بلادنا العربية، اليوم، تموج بالكراهية التى أحرقت قلوبها ودمرت نفوسها فتتشبه بنفسية هذا الأعرابى فلا تريد الخير والعافية والرحمة والمناصب والدنيا والمال والجاه إلا لفصيلها وأتباعها.. وتتمنى الشر للآخرين.. فتجد من يريد أن تفشل مصر ويدمر اقتصادها وتحترق بالمتفجرات فى كل مكان ما دام يحكمها منافسوه السياسيون، وفى المقابل نرى آخرين يتمنون تعليق كل الإخوان وحلفائهم على المشانق.. والبعض يود أن لو اختفى الأزهر والشيوخ وحزب النور والجمعية الشرعية من على وجه الأرض. إن إرادة الخير للناس تكاد تختفى تحت وقع ضربات الصراع السياسى الموجعة.. فكل يريد الشر والعنت والفشل لمنافسيه. لقد خلصت فى حياتى إلى أن أعظم نعم الدنيا على العبد أن يحب الخير والرحمة والعافية والبركة للناس جميعاً.. وأن يتمنى نزول البركات والرحمات على الآخرين حتى وإن لم تنزل عليه، وإذا أراد أحدنا تفعيل هذه المعانى فى نفسه
فليفعل الآتى:
1 - كلما قرأت فى الاجتماعيات ترقية لأحد دعوت له وإن لم أعرفه.
2 - كلما قرأت صفحة الوفيات دعوت للموتى وإن لم تعرفهم.
-3 إن ظلمك شخص أو شتمك دعوت له ورجوت له الهداية والرفق.
4 - إن رأيت سيارة جميلة فى الطريق دعوت لصاحبها بالبركة وإن لم تعرفه.
5 - إن قرأت فى الاجتماعيات خبر زواج دعوت للزوجين.
6 - إن رأيت مصاباً أو مريضاً دعوت له بالعافية دون أن تعرفه.
7 - أن تدعو للناس جميعاً ولا تدعو على أحد.
وهذه القواعد أعتبرها من خلاصات حياتى.. وقد وجدتها جميعاً فى قول المسيح عليه السلام «أحبوا أعداءكم.. وباركوا لاعنيكم».. ووجدتها أيضاً فى وصية النبى (صلى الله عليه وسلم) الجامعة ومنها: «وأن أصل من قطعنى، وأعطى من حرمنى، وأعفو عمن ظلمنى» وكذلك قول عمر بن الخطاب: «إنا لا نكافئ من عصى الله فينا بأكثر من أن نطيع الله فيه».. وهذه درجات من الإحسان وهى فوق العدل وتحتاج إلى نفوس سامقة وتربية عالية وتدريب صعب على هضم الذات فى الله سبحانه وتعالى.. ولا يحسنها إلا أقل القليل.