إذا كانت الدولة جادة فى التعافى من سرطان البطالة المتوحش والنشط، فلا يكفى أن تنشأ وزارة للتعليم الفنى بلا سلطات فعلية واضحة حتى الآن، بل يجب أن تقدم كل الدعم والدراسات لهذه الوزارة لنسف منظومة التعليم الفنى حاليا وإنشاء أخرى بمعايير وأسس وثقافة مختلفة.
عندما تكون ميزانية التعليم الفنى فى مصر 822 مليونا بما يعادل 10% فقط من ميزانية التعليم، فسوف يبقى الحال على هو عليه، ويبقى أكثر من مليون ونصف المليون يلتحقون سنويا بطابور العاطلين، يحملون شهادة تعليم فنى، ولكنه بلا تعليم ولا تدريب ولا صنعة، وبعضهم لا يجيد الكتابة والقراءة وستبقى جملة «إيده تتلف فى حرير» من الأساطير القديمة.
إذا لم تعمل الدولة على نوعية تعليم يربط بين الدراسة والتطبيق وإتاحة الفرصة للطلاب للتدريب داخل المصانع والمزارع والمؤسسات الإنتاجية والخدمية المختلفة، وإذا لم توفر «المعلم» المؤهل لتدريب الطالب عمليا.
وإذا لم تتفق مع رجال الأعمال والمصانع الكبرى على الاشتراك بشكل فعلى فى هذا النوع من التعليم، فسوف نبقى غارقين فى بحر البطالة ولن يكون إنشاء وزارة لهذا التعليم أمرا له جدوى.
قبل عامين قررت الحكومة الإيطالية تنفيذ مشروع لتدريب طلاب التعليم الفنى فى محاولة منها للحد من ظاهرة الهجرة غير الشرعية لشواطئها، وقامت باختبار 200 طالب من طلاب المدارس الفنية لإتاحة الفرصة لهم لهجرة شرعية، وتوفير فرص عمل، ولكن النتيجة كانت عارا، فأقل من 20 طالبا فقط اجتازوا هذا الاختبار، وهذه التجربة دليل عملى على حالة الانهيار الكامل فى هذا التعليم.
المؤكد أن أحد أهم طموحات مصر بعد المؤتمر الاقتصادى هو وجود فرص عمل حقيقية تدمر بقاء خلايا البطالة السرطانية فى جسد المجتمع، ولكن بلا تعليم فنى حقيقى سنبقى فى حالة إفلاس اقتصادى مزمن، وسيبقى التعليم الفنى طريقا مختصرا لطابور البطالة، بدلا من أن يكون طريقا للهروب والفرار منها.
المؤكد أن مصر تبحث عن طوق نجاة للتخلص من البطالة، ولكن فى الوقت نفسه ما زلنا لا نرى بوادر تعلن تخلص الدولة من التعامل مع التعليم الفنى، باعتباره درجة عاشرة، وأن يعود للعامل الفنى اعتباره وتقدير المجتمع له.
التعليم يجب أن يكون المشروع القومى الرئيسى لمصر، وإصلاح منظومة التعليم الفنى لا بد أن يكون أولوية ملحة لأنه البوابة الرئيسية لإعداد القوى البشرية المهم لا نهضة بدون تعليم فنى ولا تعليم فنى بدون خطة قومية تدرس وتخطط لاحتياجات السوق. المجتمع المنتج يبدأ وينتهى عند التعليم الفنى.