لأكثر من شهر وأنا مندهش من كثرة الشائعات الضالة عن وفاة الشاعر العظيم عبدالرحمن الأبنودى، ما يدهشنى هو غباء الشائعات والإصرار على الغباء، الكل يعرف أن الرجل مريض، والكل يعرف أن الرجل فى المستشفى، ولكن ليس معنى ذلك أنها النهاية، فالناس تدخل المستشفيات للعلاج وتكون النهايات شيئا استثنائيا، لكن مروجى الشائعات اعتبروا أنهم صوت القضاء والقدر ويعرفون ما لم يقدره الله بعد، وأرجو ألا يقدره أبدًا، لقد كدت أقع فى هذا الشرك منذ أسبوعين حين رأيت خبر الوفاة على مواقع التواصل الاجتماعى ثم اتصل بى أحد شباب الصحفيين يسألنى رأيى فى الأبنودى، وسألته: لماذا؟ فقال لى الخبر الشائعة، كان الوقت بين الخبر على مواقع التواصل الاجتماعى وبين الصحفى عدة دقائق، لم أستطع الإجابة ووجدت نفسى أكاد أدخل فى البكاء، اعتذرت عن الحديث وأنهيت المكالمة وجلست حزينا حتى نسيت أن معى رقم تليفونه، فانتبهت إلى أنه يمكن الاتصال بالصديق الشاعر إبراهيم داود أسأله عن الحقيقة، فقال لى إنه «عال العال» وأعطانى رقم تليفونه الذى حين طلبته منه ظهر اسمه على شاشة الموبايل، لم نتحدث كثيرا، وكان صوته قويا لكنه قال لى تأخرت علىّ يا إبراهيم، فعرفت أنه فى أحسن حال، هذا هو الأبنودى، قلت له إن معلوماتى السيئة كانت عدم الاتصال الهاتفى معه، وضحكنا، قال لى «هانت، حاخرج خلاص»، حدثته عما تنشره جريدة الأهرام من سيرة روائية له كيف لم أقرأ الفصول الأربعة التى نشرت بعنوان «قنديلة» وسأقرأها معا وأحدثه، قرأتها فوجدت تاريخا اجتماعيا وإنسانيا وفولوكلوريا للصعيد والعائلة والناس، لغة تصويريه ليست غريبة عليه، هو ملك الصورة فى الشعر العامى، حالة احتفالية ليس بمعنى الاحتفال الدارج، لكن بالمعنى الأدبى العميق، أى تعدد الشخصيات ولغاتها وأحداثها، احتفالية توحد بين البشر والمكان وتاريخ المكان والناس، حين أخبرته أنى سأقرأ ما نشر وأحدثه أردفت «أنت كمان حتدخل الرواية طيب ياعم سيب لنا حاجة» وضحكت.
فى الحقيقة أنا من المحبين الكبار من زمان للشاعر العظيم، لم نلتق كثيرا، مرات خاطفة، زرته فى شقته القديمة مرة حيت تزوج بالأستاذة نهال كمال مع بعض الأصدقاء، وقت طويل مضى لم نلتق خلاله إلا مرة أو مرتين، لكنه يمشى معى ومع جيلى منذ قرأنا له ديوانه الأول «الأرض والعيال»، أستمع إلى أغانيه فأعرف كيف غيّر فى صورة الغناء، أشاهد فيلم شىء من الخوف لأسمع أغانيه وحواره، وغير ذلك كثير، فكلنا يعرف أن ما قدمه للشعر العربى والثقافة العربية أكبر من أن يقاس، وأندهش من غباء هذه المواقع التى تنشر أخبارا كاذبة عنه هو الذى لو حدث له مكروه، لا قدر الله، سيكون الخبر الأول فى الإذاعات المرئية والمسموعة. كيف يغيب ذلك عن هؤلاء الأغبياء؟ أطال الله فى عمرك يا عبدالرحمن، ومعذرة إذا كنت انشغلت عن مهاتفتك مرة أخرى لأحدثك عن الرواية أو السيرة الروائية التى نشرت الأهرام بعض فصولها، لا أعرف ماذا يحدث معى من ضياع فكرى، فكثيرا ما أدخل فى نفسى أتحصن بها عما حولى، كما أنى لا أتصور أن الزمن لن يتسع للقائك والحديث معك.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة