للديكتاتور أكثر من وجه، ليس من بينها وجه واحد فى حب الشعب، والرئيس اليمنى المخلوع على عبدالله صالح نموذج فى ذلك طوال فترة حكمه التى استمرت 33 عاما، بدأت من 1978، وسلم السلطة بعد ثورة الشعب اليمنى ضده بمبادرة خليجية عام 2011، ورغم ذلك ظل لاعبا رئيسيا فى كل أحداث اليمن التى وصلت إلى سيطرة الحوثيين بتحالفه معهم، وتطورت إلى حد التدخل العسكرى بدءا من الساعات الأولى لصباح أمس الخميس لوقف سيطرة الحوثيين، فماذا عن اللغز الذى يحمله هذا الرجل فى عموم المشهد اليمنى؟
هو الآن فى حلف واحد مع الحوثيين بمساندة من إيران، رغم شدة العداء بينهما أثناء فترة حكمه، أى أن خصم الأمس أصبح حليف اليوم، وهذا مسار جديد يتناقض مع مساراته السابقة التى ظلت تحت النفوذ السعودى، هو مثلا تعرض لمحاولة اغتيال فى القصر الرئاسى يوم 13 يونيو 2011، أصيب على أثرها بحروق بالغة فتوجه إلى السعودية للعلاج، وظل فيها فترة طويلة، وظهر منها فى بث تليفزيونى من قصر الضيافة، وبين فترة وأخرى ظل يتردد على السعودية لإجراء فحوصات طبية.
تم خلعه من الحكم برعاية سعودية، واشتملت المبادرة التى تم خلعه بمقتضاها على تحصينه قانونيا بعدم ملاحقته قضائيا، أى إعفاؤه من أى ملاحقة فى قضايا فساد، واحتفظ أولاده بنفوذهم، وبهذا الوضع كان هو الحاكم الرابح من بين الحكام الذين ثارت شعوبهم ضدهم فيما سمى بـ«الربيع العربى»، وإذا كان هناك من فضل لأحد عليه فى ذلك تكون السعودية هى صاحبة هذا الفضل، فحمايته بغطاء إقليمى توافق مع حمايته بغطاء داخلى من أنصاره، وفى معادلة الواقع اليمنى هناك حقيقة تتمثل فى «الداخل يحميه الخارج»، وكلاهما لا يعيشان بمعزل عن بعضهما.
انتقل على عبدالله صالح مما يمكن تسميته بـ«الحالة السعودية» إلى «الحالة الإيرانية»، أصبح إيرانيا بحكم تحالفه مع الحوثيين، فلماذا حدث ذلك؟ هل وجد أن البقاء فى الحالة السعودية تعنى موته السياسى نهائيا وهو الديكتاتور الذى لا يستغنى عن الإمساك بخيوط اللعبة حتى لوكان من وراء الستار؟ وهل وجد أن المشهد الإقليمى كله يدخل تحولات ليست فى صالح «الحالة السعودية»؟