دخلت اليمن فى النفق المظلم وبدأ السيناريو السورى والعراقى بكل حذافيره يتحقق فيها، الفوضى عمت طول البلاد وعرضها والوضع الأمنى تردى للدرجة التى جعلت معظم الدول تجلى رعاياها منه وتغلق السفارات وتغادر جميع البعثات الدبلوماسية، وهو المؤشر الذى يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن اليمن هو ثالث بلد يرث من الربيع العربى تركة الضياع والتقسيم، ليهيم مواطنيه على وجوههم فينزح منه كل من استطاع للنزوح سبيلا ويبقى فيه غير القادرين ليواجهوا المصير البائس منفردين بلا أمن ولا أمان ولا حتى أدنى سبل توفير العيش الهادئ.
الشعب اليمنى الآن فى مواجهة مباشرة مع الميليشيات المسلحة والمجازر تدور فى الشوارع دون إشارة إلى إمكانية السيطرة عليها وهذا فى حد ذاته يعد مصدر وجع قلب على ما وصل إليه حال الدولة الشقيقة ويعد أيضا مصدر قلق وإزعاج على مضيق باب المندب _ البوابة الجنوبية لقناة السويس البحرية_ وهذا مصدر ضغط إضافى علينا لأنه اضطررنا لفتح جبهة حرب جديدة بخلاف الحرب على الإرهاب فى الداخل وعلى الحدود مع ليبيا، يرى المزايدون أننا دخلنا فى حرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل لأن الحوثيون لم يقتربوا من مضيق باب المندب حتى اللحظة التى تحركت فيها قواتنا، يرون أننا دخلناها من باب المجاملة أو من باب رد الجميل للسعودية أو من باب الحفاظ على ماء الوجه بعد تحرك التحالف العربى بعملية عاصفة الحزم " وهذا الكلام فى الواقع لا موقع له من الإعراب، فصحيح أن المتحدث بإسم ميليشيات الحوثيون محمد عبد السلام أكد فى تصريح رسمى له على إحترام مصر شعبا وحكومة وأكد على إحترامهم لكل الإتفاقيات الدولية بين اليمن وجيرانها، وصحيح أنه أكد على حبهم لمصر ودعمهم للرئيس عبد الفتاح السيسى وأنهم لن يعطلوا الملاحة فى البحر الأحمر أبدا، إلا أن الإنسياق وراء تلك التصريحات والتسليم بصدق كلامه يعد دربا من دروب البلاهة لعدة أسباب أولها أن الميليشيات لا عهد لهم ومن لا يجد مانع لديه فى تخريب بلاده وقتل بنى وطنه جهارا نهارا لن يتورع لحظة واحدة عن تخريب مصالح الدول الأخرى بل وغزوها أيضا لو سنحت الفرصة.
وثانيها أن إمكانياتهم حاليا لا تؤهلهم لفتح جبهة عداء خارجية لا قبل لهم بها خصوصا وأنهم مشغولون الآن بإحكام القبضة على البلاد داخليا وبفرض نفسهم على سدة الحكم فى اليمن بشكل لا يمكن معه استدعاء مواجهات حالية، وثالثها أن تصريحاته هذه آراها محاولة لإحراج القيادة السياسية فى مصر ودعوة غير مباشرة لدعمهم والاعتراف بهم وهو الأمر الذى أراه لا يستقيم مع المنطق أبدا، كلام هؤلاء المزايدين يعنى أنهم لا يرون أكثر من موضع أقدامهم، فمضيق باب المندب واجه خطرا حقيقيا حتم علينا أن نتحرك لدحره فى بداياته، وقبل أن تتطور الأمور وتستدعى مجهودا أكبر فى المواجهة، والفرصة فى مواجهة ذلك وسط قوات مسلحة لدول عربية شقيقة ستوفر علينا معظم مجهود المواجهة منفردين، ولا يليق بمصر أبدا وهى قلب العروبة ألا تشارك خصوصا وأن مصالحها فى المشاركة واضحة وضوح الشمس فى كبد النهار.
القافلة تسير رغم كل أصوات العواء بعون الله وبيده الحافظة لهذا البلد الذى يعيش أصعب أيام الضغط عليه قواته داخليا وخارجيا، ولن يرحم التاريخ كل من تخاذل ولم يفهم ولم يحاول أن يفهم واكتفى بالتنظير خلف الكيبورد، أما اليمن نفسه فله الله طالما ولدت على أرضه كائنات على شاكلة توكل كرمان تسعد وتهلل بتقسيمه، وكائنات تحتفل على الفيس بوك وتويتر بسقوطه فى قبضة الميليشيات لمجرد أن تلك الميليشيات تتبنى أفكار عقولهم الخربة، هؤلاء هم لعنة البلاد العربية ..