فى الفيزياء الطريق المستقيم أقرب مسافة بين نقطتين، لكن فى السياسة لا يشترط أن يكون الخط المستقيم أقرب مسافة بين نقطتين، فالتحالفات والصراعات، لا تستمر عند وضع معين، وإنما تسير فى خطوط متعرجة ومتشابكة، تلف وتدور حول نفس النقاط. ويصعب القياس فى عالم السياسة على المنطق، وإنما على المصالح، لأن ما يجرى قد يكون مناقضا للواقع أو المنطق.
لقد رأينا كيف كان على عبدالله صالح الرئيس اليمنى المخلوع، استجار بالمملكة العربية السعودية من الشعب اليمنى، قدمت له المملكة الدعم وحمته، وضمنت عودته، لكنه انقلب على السعودية وتحالف مع الحوثيين ليقود اليمن نحو تقسيم طائفى، يضر بمصالح السعودية التى كانت أكبر حلفائه فى السلطة. ولهذا تحركت المملكة لتحمى مصالحها التى بدت مهددة من تحالف صالح والحوثيين. بالرغم من أن صالح ينتمى للسنة، بينما الحوثيون من الشيعة، وهو أمر يطرح أن المصلحة هى المحرك لهذه التحالفات. ثم أن الحوثيين واصلوا سعيهم فى اليمن، واجتاحوا مناطق فى صنعاء، لكنهم تخطوا حدود الصراع ومن هنا واجهتهم المملكة، وكانت المملكة هى التى دعمت فى بداية الستينيات أجداد الحوثيين، ممثلين فى حكم الإمام البدر. وهو شيعى بما ينفى طائفية أو مذهبية الصراع.
ومع هذا فإن الصراع فى اليمن حاليا يأخذ أحيانا شكلا طائفيا، فإنه جزء من صراعات النفوذ والمصالح بأكثر مما هو صراع طائفى، فقد كانت ثورة اليمنيين ضد الإمام البدر أوائل الستينيات، فى مواجهة الاستبداد والتخلف، ولم تكن ثورة مذهبية. وواجهت اليمن تقسيما إلى شمال وجنوب، حتى سعى على عبدالله صالح وخاض الحرب لتوحيد اليمن، لكنه اليوم يدفع نحو تفتيت طائفى وليس سياسيا فقط.
ثم أن الدول التى تخوض الحرب ضد الحوثيين، هى نفسها تواجه تنظيم داعش فى العراق والشام، وهو تنظيم يزعم انتماءه للسنة، بل ويلعب بالوتر الطائفى، بالرغم من كون داعش تسعى أيضا لتصفية الأقليات من إيزيديين ومسيحيين وغيرهم فضلا عن معاداة علنية للشيعة، فى محاولة لكسب تعاطف طائفى مع تنظيم إرهابى لايفرق فى القتل. وهنا تقف إيران مع الدول العربية السنية فى مواجهة داعش.
كل هذا يكشف عن تحولات فى خرائط التحالفات، تقوم على تغير المصالح، أكثر مما يقوم على صراع المذاهب.