تكلم « ماكيندر» منذ وقت طويل عن صراع قوى البر والبحر والسيطرة على قلب العالم، وفى كتابه المهم «استراتيجية الاستعمار والتحرير» أشار جمال حمدان الجغرافى المصرى إلى تطورات الاستراتيجية العالمية التى محورها صراع بين قوى البر والبحر بما فى ذلك بالطبع التطورات التكنولوجية وعلى رأسها القوة الجوية كأحد مصادر قوة الدولة الاستراتيجية. عاصفة الحزم فى هذا السياق كانت عملا ضروريا ذات طبعية استراتيجية لم يكن ممكنا تأجيله أو الصبر عليه أو مد حبل الانتظار لأن التطورات التى سبقت العاصفة كانت تشير بالضرورة إلى قوة داخلية هم الحوثيون استندت إلى أيديولوجية مذهبية فهم يطلقون على أنفسهم «أنصار الله»، وقوة إقليمية تسعى إلى توظيف أجنحة لها فى الدول التى تريد السيطرة عليها، الحوثيون فى اليمن كانوا يطبقون بالحرف الواحد ما فعله من قبل حزب الله فى لبنان، الاستناد إلى صيغة طائفية وقوة إقليمية للسيطرة على المقدرات السياسية للبلد.
كان الحوثيون منذ سيطرتهم على صنعاء وخطف الرئيس والانطلاق نحو الجنوب للسيطرة على عدن بما فى ذلك التحكم فى ميناء المخلا ومضيق باب المندب، وهو الممر الاستراتيجى الذى يهدد فى الصميم أمن مصر كما يهدد أمن السودان فميناؤها الوحيد على البحر الأحمر هو نافذتها على المياه والخروج إلى عالمها الواسع، كما أن السيطرة على عدن وموانئ اليمن يعنى فتح الباب واسعا لحركة إيران من الخليج العربى إلى اليمن ذهابا وجيئة وتسليحا وتدريبا وحربا وكل ما لك أن تتخيله، وهكذا تكون إيران فردت أشرعتها من العراق فى الشمال حتى البحر المتوسط مرورا بالعراق وسوريا، ومن الجنوب فردت أجنحتها الاستراتيجية نحو بحر العرب لتتحكم فى مدخل الملاحة الاستراتيجى فى باب المندب.
كانت المعلومات قد أكدت أن الحوثيين فتحوا مطار صنعاء للخطوط الجوية الإيرانية، وكانت عدة رحلات يومية تطير بين طهران عاصمة الامبراطورية الجديدة وأحد أجنحتها ووكلائها فى اليمن، فتح مطارات اليمن للطيران المدنى الإيرانى معناه بكل بساطة نقل السلاح والمتدربين والمدربين والخبراء الإيرانيين والمقاتلين الشيعة وقت أن يجد الجد وتسعى القوة الحوثية للتحرك بعد سيطرتها على اليمن إلى التحرش بالمملكة العربية السعودية والدخول فى محاولة إغراقها فى ضغوط واستنزافات واستفزازات لصالح المركز الجديد فى الإقليم وهو إيران.
يبدو أن عاصفة الحزم كانت مفاجأة للإيرانيين، فقد تعودوا الكسل من العرب وتعودوا كذلك منهم الانتظار ليقوم غيرهم بدلا منهم بالتحرك العسكرى رغم أن مليارات تدفع سنويا من أجل التسليح فى دول الخليج، ومن هنا جاءت عاصفة الحزم لتربك الإيرانيين وتؤكد لهم أن هناك خطوطا حمراء ذات طابع استراتيجى لا يمكن الإغضاء عنها أو السكوت عليها، لقد اقتربتم أكثر مما يجب من خطوط عربية ما كان يمكن السكوت على هذا الاقتراب بأكثر مما جرى فى العراق وسوريا وها هو يحدث اليوم فى منطقة البحر وخطوط الملاحة الاستراتيجية، فقد كان البحر الأحمر فى وقت العز الإسلامى بحيرة إسلامية لا يمكن لأحد أن يدخله لعلاقته القوية بالأمن القومى العربى.
هناك مصالح استراتيجية عربية عليا فرضت شن عاصفة الحزم لتكون رسالة للإيرانيين أن العرب لا يزال فيهم الرمق وأنهم لا يزالون قوة حية صبروا طويلا على رعونتهم وقد حان وقت فراغ الصبر ونفاذ الوقت وتحرك قوة عربية لحماية بلد عربى وأمن العرب القومى، لا نريد أن تتجه الحرب لمغزى طائفى فلسنا فى وارد حرب شيعية - سنية ولكننا بإزاء حماية للأمن القومى العربى الذى انتهكته إيران بأكثر مما يجب أو يمكن السكوت عليه.