منذ الصراع الدموى لتحقيق المصلحة الذاتية بين قابيل وهابيل وقد تم تدشين تلك الصورة الدموية بين البشر وبين الدول لتحقيق المصالح المشروعة وغير المشروعة بهذه الطريقة، بعيداً عن الحوار الموضوعى الذى يحقق مصلحة الطرفين، ولكن الإحساس بالقوة فى مواجهة الضعف وامتلاك القدرة لقهر غير القادر جعل ثنائية الخير والشر مازالت وستظل تسيطر على هذا الكون. وقد أخذ غرور القوة كثيراً من الصور الزائفة والمزيفة التى يبرر بها سطوته ويتدثر خلفها ليخفى استبداده. مثل الدفاع عن الدين والزود عن العقيدة الصحيحة، أو تنفيذ ما أمر به الله حسب رؤيتهم، أو الادعاء بالدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان أو الاستعمار ونهب ثروات الشعوب باسم الإعمار وليس الاستعمار. ومثل ما كانت القوة سبباً لممارسة الاعتداء على الآخر كانت عوامل الضعف أيضاً تحفيزاً له ليمارس هذا الاعتداء. والتاريخ المصرى شاهد على هذا. فعندما كانت مصر تملك القوة بجميع أشكالها خاصةً قوة توحد الشعب وراء قيادته هزمت مصر الهكسوس والمغول والتتار والصليبيين وإعادة الحملة الفرنسية وأجلت الإنجليز. أما فى لحظات ضعفها وفى زمن هوانها فقد تسابق على غزوها أكثر من اثنين وخمسين غزوة حربية طوال تاريخها. لقد وجدنا عبدالناصر يجسد أحلام القومية العربية ومعطياتها على أرض الواقع، فاستطاع أن يساهم ويساعد فى تحقيق الاستقلال لكثير من الدول العربية والأفريقية والآسيوية من استعمار إمبراطوريات لا تغيب عنها الشمس. ولذا قد وجدنا قوى الاستعمار القديم والحديث لا تترك مصر والعرب والمسلمين لفرصة توحد حتى يمتلكوا أسباب القوة التى تجعلهم قادرين على الصمود والتصدى. فكانت المخططات التى تستهدف التفتت والتشرذم للعرب وللمسلمين فى المنطقة حتى يتم تقسيمها على أسس طائفية، لتحقيق استمرارية المصالح الأمريكية الصهيونية. منذ كامب ديفيد التى كانت كلمة السر فيما وصلنا إليه الآن من تردى وضعف شجع الكثيرين على التطوال علينا بما لا ينبغى أن يكون. والمؤامرة هنا لا نقصد بها مخططات خارجية وحسب ولكنها هى اختراق لعوامل الضعف الموجودة واستغلال للفتن القابعة تحت الرماد وتحفيز وتشجيع للصراعات المذهبية والطائفية، لتحقيق ما يسمى بـ«حروب الجيل الرابع». فبدلاً من تطبيقهم نظرية صراع الحضارات التى لخصوها فى صراع «مسيحى غربى وإسلامى شرقى». ففى غفلة من الزمن قد أصبحنا نحن الذين ندير هذا الصراع بأنفسنا وضد أنفسنا، وأصبح صراعاً سنيا سنيا، وسنيا شيعيا، وإسلاميا مسيحيا، فالصراع والتفتت والتشرذم والضعف هو ما نصنعه نحن بأيدينا، والآخر يجنى الثمار التى لم يكن يحلم بها. وما الذى نراه الآن فى اليمن باسم «عاصفة الحزم» غير الصورة المرئية لهذه الصراعات السياسية المغلفة بنكهة طائفية يندى لها الجبين. وكأننا لا نريد الخروج من مأزق تاريخى وحدث مضى كان نتاجا لظروف زمنية ومكانية لا يجب أن تستمر إلى الأبد. والأغرب أننا ننساق وراء التوهمات الأمريكية التى تلعب بمقدرات الجميع والتى لا ترى غير مصلحتها. فهى تبارك العاصفة وتحارب مع إيران فى العراق على أرضية الحوار النووى. فهل نعى الدرس جيداً وندرك أن عاصفة الحزم ما هى غير بداية لحوار يمنى ينهى المشكلة؟ هل يمكن أن نعتبر إنشاء قوة عربية بداية لطريق توحد عربى إسلامى نواجه به هذه المخططات وتلك التحديات التى تمثل خطورة حقيقية على الجميع دون استثناء؟ فلا طريق لكسر شوكة التفتت والتخلف غير التوحد العربى.