ثلاث صور تداولها الشباب هذا الأسبوع على مواقع التواصل الاجتماعى ونشرتها بعض الصحف، صورة لشيخ معمم يرتدى الزى الأزهرى يدخن سيجارته بشراهة وينظر إلى الكاميرا، وصورة ثانية لعدد من المشايخ يتسابقون للحصول على قطعة كيك أو كوب شاى، وصورة ثالثة لعدد منهم ينامون، بينما تنعقد جلسات مؤتمر المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الرابع والعشرين الذى اختتم أعماله منذ أيام قليلة، هذه الصور الثلاث هى كل ما تبقى من هذا المؤتمر الذى ينعقد سنويا منذ ما يقرب من ربع قرن والذى تحدثنا عنه فى المقال السابق.
لا يعرف الشباب شيئا عن هذا المؤتمر، ولم يسمعوا عنه رغم عمره الطويل الذى يزيد عن أعمارهم، لم تصل إليهم أى من توصياته المتكررة التى تتوعد بمحاربة الإرهاب والتطرف وتصحيح صورة الإسلام وتجديد الخطاب الدينى، والتى وصلت هذا العام إلى 16 توصية عامة وإنشائية لم يأت ذكر الشباب أو الحديث عنهم فى أى منها، لم يروا من هذا المؤتمر العتيق الذى أكد وزير الأوقاف قبل انعقاده أنه سيمثل خطوة فاصلة فى الحرب على داعش وكل التنظيمات الإرهابية سوى تلك الصور التى زادت الفجوة، وعدم الثقة بينه وبين المشايخ والمؤسسات الدينية الرسمية التى تصدع الرؤوس ليل نهار ببيانات وتوصيات ومؤتمرات لا تساوى عند الشباب ثمن الحبر الذى كتبت به فهو لا يصدقها ولا يقتنع بمن كتبوها.
يراهم يقولون ما لا يفعلون، يرى صورهم فيتأكد أنهم لا يعبأون بهمومه، ولا يهتمون بالاقتراب منه ولا يمثلون الإسلام الذى يتحدثون عنه، فيهرب منهم إلى أحضان غيرهم من الجماعات المتطرفة التى تدعى هذه المؤتمرات ومنظموها أنهم يحاربونها.
لم يتبق من هذا المؤتمر الذى أنفق عليه الملايين على مدى يومين، وعقد فى أفخم فنادق مصر، وتفاخر وزير الأوقاف بمشاركة أكثر من 30 دولة ومئات العلماء من الوجوه المكررة كل عام، سوى تلك الصور التى رسخت فى أذهان الشباب، لتنسف كل ما صدر عن المؤتمر من توصيات لم يحرص من وضعوها على أن يبدأوا بأنفسهم فى تطبيق أبسطها.
ظهر الشيخ المدخن بين جلسات المؤتمر، وكأنه يكرر مقولة الفنان نور الشريف فى فيلم العار: «لو حلال أدينا بنشربه ولو حرام أدينا بنحرقه».
وظهر المشايخ فى صور لا تقدم قدوة لشباب يقع الكثيرون منهم فريسة لجماعة الإرهاب، لأنه لم يجد من يقدم له صورة الإسلام الوسطى الصحيح السمح، ولم يقتنع بتلك النماذج التى تتصدر المؤتمرات وتصدر البيانات أو يراها تغازل السلطة حينا، وتصدر فتاوى لا علاقة لها بالواقع أحيانا.
فشل المشايخ وفشلت المؤتمرات العقيمة فى استيعاب الشباب والاقتراب منهم، شيوخ يتحدثون عن الموت أكثر من حديثهم عن الحياة، يتحدثون عن عذاب القبر أكثر مما يتحدثون عن إعمار الأرض، ومؤتمرات غاب عن منصاتها نماذج لعلماء شباب يقدمون قدوة حسنة للشباب ويتحدثون بلغتهم ويشعرون بمشاعرهم، ويقدمون حلولا وإجابات لكل ما يدور فى أذهانهم ويستطيعون التواصل معهم بوسائل الاتصال الحديثة والتكنولوجية.
فشلت هذه المؤتمرات على مدار 25 عاما فى أن تخلق جيلا ثانيا وثالثا من شباب العالم بأمور الدين والدنيا، ولو أنها نجحت فى تقديم نموذج واحد كل عام، ما وصلنا لما نحن فيه الآن، واستطاعت تصحيح صورة الإسلام فى الداخل والخارج.
فكما قال أحد العلماء المستشرقين بعد دخوله الإسلام: إنه لو كان هناك 25 شابا يفهمون الإسلام فهما صحيحا ويقدمونه بصورته الحقيقية لغزا الإسلام العالم، وأن المسلمين يتحملون ذنوبا لعجزهم عن توصيل رسالة وصورة الإسلام الصحيح إلى العالم.
مشايخنا الأفاضل مؤتمراتكم وصوركم وأفعالكم أساءت للإسلام أكثر من أعدائه، فلن تصححوا صورة الإسلام، ولن تنتصروا على الإرهاب بأوراق البيانات وتوصيات المؤتمرات ولغة القرون الوسطى، لأنكم بذلك كمن يحلم بالانتصار على عدوه بدخان سيجارة.