جملة يصدرها نمط من الناس فى وجه كل ناصح حريص أو راغب فى تغيير وإصلاح، أو مريد للخير وللأفضل.
إنه نموذج الراضى عن نفسه، المقتنع تمام الاقتناع بحياته، وبعلاقته بربه، وبمواهبه التى لا مثيل لها، وبحاله الذى ليس فى الإمكان أبدع مما كان فيه.
مجرد أن تفكر فى تطبيق ما وصفه النبى صلى الله
عليه وسلم بأنه الدين حين قال: الدين النصيحة، تجده بلسان الحال، وأحيانا بلسان المقال يسارع مقاطعًا: أنا كده كويس.
والحقيقة المؤسفة أن هذا النمط من أصعب الأنماط فى التغيير للأفضل، والانتفاع بالنصح، وغالبًا ما يكون مدخل الشيطان له أنه نسبيًا وإلى حد ما فعلًا.. «كويس»!
ذلك لأنه غالبًا يحيا حياة مستقرة بشكل أو بآخر، حتى لو كانت مستقرة فى القاع، وهو أيضًا فى المجمل لا يقع فى كبائر عظيمة، ولا فواحش ظاهرة، لكنه يظل فى حالة رتيبة يحرص شيطانه على ألا تصطدم بشكل عاجل بمعصية كبرى تدفعه للندم والتوبة، بل يعتمد معه أسلوب الغفلة والتدرج البطىء حتى يظل الشعور المسيطر عليه للنهاية أنه.. «كويس».
طبعًا ليس شرطًا أن يكون فعلًا «كويس»، بل كثيرًا ما يتمكن الشيطان من نفوس مجرمة لا تترك شيئًا من الفساد إلا اقترفته، ومع ذلك تصر أنها «كويسة» وممتازة، وهذه حالة متأخرة، ونمط مريع للغاية، لعلنا نتطرق إليه إن شاء الله فى مقال آخر.
أما بالنسبة لأخينا الغافل الكويس الراضى عن نفسه، الراكن إلى غفلته، فمشكلته الأساسية فى أمرين.
الأمر الأول، هو تزكيته لنفسه، وأمنه من سوء العاقبة، وتلك آفة عظيمة تنزه عنها من هم خير منه ومنا، ومن سائر البشر، وهم أنبياء الله عليهم السلام الذين كان منهم من دعا ربه لتجنيبه عبادة الأصنام، كقول إبراهيم عليه السلام: «واجنبنى وبنىّ أن نعبد الأصنام»، ومنهم من دعا بالوفاة مسلمًا، كما فعل يوسف عليه السلام «توفنى مسلمًا وألحقنى بالصالحين»، ومنهم من تعوذ من الحوْر بعد الكوْر، والسلب بعد العطاء، ودعا ربه بالثبات كنبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذى كان من دعائه: «اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبى على دينك»، وما قال أحدهم يومًا ما يشبه تلك العبارة التى يصدرها فى وجوه الناصحين أخونا «الكويس»
للأسف الشديد، أصحاب هذا النمط قد نسوا أو تناسوا تلك الحقيقة، وظهر من خلال لسان حالهم ومقالهم أنه قد تسربت إليهم دون أن يشعروا خصلة من خصال من قالوا «نحن أبناء الله وأحباؤه». صحيح أنهم لم يقولوها بتلك الفجاجة والاستعلاء، لكنهم أكدوا معناها من خلال نفيهم المستمر لإمكانية فتنتهم، ويصرون على إضفاء العصمة والقداسة على دينهم وعقيدتهم، كأنهم اطلعوا على ما فى قلوبهم، أو كأنهم اتخذوا عند الله عهدًا، فيه ذلكم الجزم المزعوم أنهم بمنأى عن الفتن وبمعزل عن الضلال إلى يوم الدين. العجيب أن الصحابة أنفسهم كانوا يخشون على أنفسهم النفاق، ولم يأمن أحدهم على نفسه لهذه الدرجة، بل حتى الأنبياء كانوا يحرصون على دعاء ربهم بالثبات، واجتناب عبادة الأصنام، وما دعاء سيدنا إبراهيم، وسيدنا يوسف عليهما السلام بالشىء الذى يغيب عن الأذهان كما سبق وبينت فى السطور السابقة. فمن أين يأتى أصحاب ذلك النمط العجيب بكل هذا الأمن والاطمئنان والجزم الراسخ أنهم «كويسين» إلى آبد الآبدين؟!
الأمر الثانى فى إشكاليات هذا النمط، يتمثل فى تباطئه الشديد، أو عجزه عن إصلاح نفسه دينيًا أو دنيويًا، لعدم رؤيته لأخطائه، وكل ابن آدم خطاء.
تأمل..
خطاء بصيغة المبالغة التى تفيد هنا كثرة أو تكرار الخطأ، وليس فقط مخطئ، فإن قرر المرء على طول الخط أنه «كويس»، وواجه كل تنبيه لخطئه بالرفض، فأنّى يتغير، وكيف يصلح؟
أن تعترف أصلاً بأن لديك مشكلة، فتلك هى بداية الحل، ليس معنى كلامى أن يتحول لنمط آخر فيكون يائسًا أو فزعًا هلوعًا جالدًا لنفسه، وتلك أيضًا أنماط مؤسفة مؤذية لنفسها.
لكن المقصد أن ينتبه مثل هذا النموذج المتراخى إلى أن الله وحده أعلم بمن اتقى، فلا يزكى نفسه، وأن يعلم أن النفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، وأن من لم يعرف أخطاءه، ويعترف بها، فلن يتمكن أبدًا من إصلاحها، ولن يكون حقًا.. «كويس».