من واقع حركة المحافظين، والتعديل الوزارى، يمكن التقاط أن الحكومة والرئاسة نجحا فى إصدار قرارات، واختيار محافظين ووزراء، مع قدرة على الكتمان.. التعديل جاء محدودًا، وكان الأهم فيه هو تغيير وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم، وكانت هناك دائمًا انتقادات لاستمرار ثغرات فى البناء الأمنى، بعد تكرار التفجيرات دون التوصل إلى فاعلين ومتهمين، فضلًا على تجاوزات وحوادث ارتبطت بجهاز الشرطة عمومًا، وبدا وزير الداخلية عصيًا على التغيير.
وهناك أزمات ووقائع إهمال تتعلق بوزارات لم تصل لها التعديلات، فنحن أمام أزمات موسمية متكررة، ربما تكشف عن استمرار السياسات التقليدية، والأمر نفسه فى حركة المحافظين التى لم ترتبط بها تغييرات فى المحليات، مثل رؤساء المدن والأحياء.. وكل هذه الثغرات تتحملها الحكومة، ورئيس الوزراء الذى يضطر للتدخل فى أصغر المشكلات، لأن المسؤول المحلى لا يعرف عنها شيئًا أو ينتظر قرارًا مركزيًا، ولعل لجوء المواطنين بشكاواهم لرئيس الوزراء من المحافظات والأحياء يعنى غيابًا تامًا للمسؤولين المحليين.
منذ شهور تحدثنا عن خلايا الإهمال الفاشلة فى الوزارات والمؤسسات المهمة، وكيف يمكن للإهمال أن يكون فى خطورة الإرهاب، إن لم يكن أخطر، خاصة أن تكرار الحوادث، وعدم التوصل لمتهم واضح، يجعل صورة الأمن مهتزة، ومعه الحكومة، ونحن مقبلون على المؤتمر الاقتصادى والانتخابات، وهى تحديات لا تحتمل الهزار.
السؤال المتكرر: هل التغيير فى الوجوه أم فى السياسات؟.. الواضح حتى الآن أن السياسات القديمة مستمرة، والبناء الإدارى للدولة فى حاجة لغربلة وتغيير من القاع للقمة، ومهما كانت قدرات الوزير أو المحافظ، تبقى محدودة، مادام أنه على رأس جهاز قديم ملىء بالثغرات والثقوب.. الإهمال والفساد والمحسوبية كلها أمور تغرق فيها الدولة، وهناك غياب للقانون فى مواجهة المخالفات أو حتى المشكلات البسيطة، والأمن ليس فقط مواجهة التفجيرات، لكنه يتعلق بقضايا مهمة، كالمرور والأمن الجنائى والحماية المدنية، فضلًا على خطوط أخرى لا تتعلق بالداخلية، بقدر ما تتعلق بوزارات ومهام أخرى اجتماعية واقتصادية وسياسية تبدو غائبة إلى حد كبير، وتترسب لتشكل بؤرًا من الغضب والتوتر يمكن اجتنابها، قبل أن تتحول إلى كرات لهب تتسع وتكبر وتشعل حرائق.
طبعًا نحن نتحدث عن تراكمات وترسبات لعقود سابقة، لكن استمرار الأوضاع بشكلها القائم لايساعد على تقبل إجراءات من دون أن تبشر بتغيير اجتماعى وسياسى يبدو فى تفاصيله أقرب لجراحة دقيقة يفترض القيام بها من دون التعرض لأوعية دموية، أو أعضاء أخرى بالجرح.