هذه المرة أقبل على ضاحكا حاملا صحفه القديمة وأنا جالس فى المقهى. لم يلقِ حتى علىّ السلام كعادته. جلس وظل يضحك حتى سعل واشتد عليه السعال. قدمت له مرعوبا كوب الماء قائلا: اشرب اشرب حتموت.
ارتشف الكوب كله وقال: كنت مروح قلت لسواق التاكس يرجع. موتنى من الضحك وقلت والله لأقول لك قال إيه.
ابتسمت. قال: سألنى هو ليه من بعد ثورة يناير كل حكومة تغلى السجاير؟ هو لا سمح الله بينهم تار بايت ولا حاجة. ولا علشان يناير ماشية مع السجاير؟
ابتسمت وقلت:
وقلت إيه.
أقول إيه. ما أنا باسأل نفس السؤال. بصراحة مش مقتنع. بس هو جاوب الحقيقة. قال علشان الناس ترجع تلف سجاير تانى وحضرتك عارف أن اللف بياخد وقت فماحدش يفضى يفكر فى حاجة. بصيت له ومت من الضحك.
ابتسمت فقال: بس هو ما اقتنعش بضحكى. قال لى طبعا حضرتك مش مقتنع بكلامى. قلت له الحقيقة السجاير مضرة بالصحة. قال لى عارف يا أستاذ بس دى الكيف اللى بنقدر عليه. قلت له فيه دول زى كندا فيها مدن كاملة مافيهاش تدخين.
ثم انطلق يضحك وأنا فى دهشة. قال: عارف رد قال لى إيه ؟ قال لى إن فى كندا السجاير ممنوعة لكن الحاجات التانية مش ممنوعة. الماريجوانا مثلا. وبصراحة أنا ماعرفش جاب المعلومة دى منين. وبعدين قال لى إن ابنه بيشتغل فى هولندا فى قهوة وبرضه السجاير ممنوعة بس كتير من المخدرات مش ممنوع. ما هو لازم الناس تطلع غلها فى حاجة. وإلا لازم يطلعوا غلهم فى الحريم. انت عارف سيجارة ممكن تخلى الواحد يستحمل قريفة الحريم بتاعه. ماعرفتش أرد عليه سكت راح سائلنى سؤال تانى.
عن إيه المرة دى؟
قال لى حضرتك معاك جرايد كتير. يعنى مثقف. تقدر تقول لى يعنى إيه صليل الصوارم؟
وجاوبته؟
قلت له اسم نشيد تبع داعش. سألنى أنا عارف وعارف صليل دى يعنى دوشة. لكن صورام دى جمع «صرمة» ولا «صرم» لامؤاخذة؟
وهنا عاد يضحك حتى سعل وأنا بدورى ضحكت بقوة. فقال:
قلت أمارس الشر مرة فى حياتى على كبر، قلت له الاتنين.
ضحكت بدورى من جديد وسألته: ما كلمتوش عن تريقة المصريين على الموضوع.
لاقيته عارف كل حاجة. دا حتى عارف أن فيه عروسة وعريس اتجوزوا ورقصوا فى قفص حديد زى اللى داعش قتلت فيه الطيار الأردنى. بس قال لى كلام غريب وحلو يا أخى.
سكت أنظر أليه فقال: قال لى دول المصريين. طول عمرهم يحبوا الضحك وعمر الدين ما كان عندهم نكد وقتل وضرب وزعيق. واللى حصل فى مصر فى الأربعين سنة اللى فاتت ما كانش ممكن يحصل إلا لأن الدولة عايزة كدة. الدولة ساعدت الإخوان والسلفيين يملوا الناس بالرعب من الآخرة فسابوا الدنيا وخدتها الحكومة.
وانطلق يضحك وقال: وراح السواق مشغل سى دى فيه أغنية مسرحية «ريا وسكينة» ناسبنا الحكومة وبقينا قرايب.
طلبت منه وأنا أضحك وأسعل أن يشرب أى شىء. نادى الجرسون وطلب ينسون.
حلقى نشف من الضحك.
نظرت إليه وقلت: ورجعت علشان كده بس.
لا طبعا لسة. دا يوم زى الفل.
ابتسمت وقلت: إيه تانى. أنا فعلا محتاج أضحك.
نظر إلىّ متوجسا وقال: ليه كفانا الشر. حصل حاجة.
لا أبدا. ما أعرفش ليه مريت على مسارح القاهرة امبارح لقيتها كلها تقريبا قافلة. زعلت أوى.
بيقولوا فى مسرحية اسمها بعد الليل فى مركز الإبداع فى الأوبرا أبطالها كلهم شباب، ومسرحية برضه للشباب فى مسرح الهوسابير اسمها «1980 وانت طالع». بيقولوا حلوين أوى. لكن انت مالك ومال المسرح؟
إنت ناسى أنى كنت باحب المسرح زمان وياما سهرنا سوا فى العتبة أنا وأنت. يوم فى مسرح الطليعة ويم فى المسرح القومى ويوم مسرح الريحانى. وياما كلنا عصافير فى قهوة متاتيا اللى ضاعت.
قاطعنى قائلا: ماتكملش. خلينا فى الضحك اللى ضحكته. ياراجل دا أنا رجعت علشان أضحكك. والنبى ماتئلش علىّ بحزن النهاردة.
إيه تئلش دى؟
باسمعها كتير من العيال بس هم عادة يقصدوا بيها ضحك. دا المصريين ألشوا ألش على صليل الصوارم دى.
هنا لم أستطع أن أمسك نفسى عن الضحك بصوت عالى وأخذنى السعال يهزنى بقوة حتى أنه مد يده إلى منضدة مجاورة يجلس عليها رجل صامت وسحب كوب الماء قدمه لى بسرعة والرجل صامت كما هو كأنه لا يراه. قال لى:
هو ماله ساكت كده؟
قلت هامسا: صليل الصوارم.
ابتسم وأمسك نفسه عن الضحك بوضع يده على فمه. قلت له قل لى ماذا قال سائق التاكسى أيضا. همس لى قائلا: الراجل دا نسانى اللى حاقوله. شكله تعبان فعلا.
دلوقت حنسأله مالك بس كمّل انت.
شوف ياسيدى. سواق التاكسى سألنى عن صافيناز. أهو كله صاد النهاردة. السواق اللى قال لى كده. قال لى يا استاذ هو مش كل واحد بيحب العلم بطريقته. قلت له آه. قال لى طيب دى رقاصة وحبت العلم رقصت بيه. هو حرام نشوف تحت العلم حاجة حلوة. هو لازم حرب يعنى؟ وبعدين على قد مخها. هى عندها إيه تعمله غير كده.
قلت: فى دى بأه لازم نسكت. الموضوع فى إيد النيابة.
أنا قلت للسواق كده بس قعد يسوق بيا زعلان أوى. وبعدين ضحك وقال لى برضه هى غلطانة وكانت لازم تسأل الرقابة الأول. العلم له مكان وكلنا لازم نموت تحته ونرقص بعد ما نموت الأعادى. بس على فكرة ممكن تطلع براءة علشان حسن النية. صح يا استاذ؟ ماجاوبتوش وقلت لف بيا أشوف واحد صاحبى وجيت أحكى لك.