لم تقتصر أهمية قانون الاستثمار الجديد الذى انتهت الدولة منه مؤخرًا على كونه قانونًا مهمًا جاء فى التوقيت المناسب، ليهيئ المناخ الصحى لجذب أكبر قدر من الاستثمارات الوافدة إلى مصر، فى ظل المؤتمر الاقتصادى الذى سيقام بعد بضعة أيام فى شرم الشيخ، بل إن أهميته الحقيقية تكمن فى أنه جاء ليفتح الطريق أمام الدولة نحو إعادة النظر فى الكثير من القوانين التى أصبحت قديمة، وعفى عليها الزمن، ولم تعد تتماشى مع معطيات العصر الحديث، بل إن الكثير من تلك القوانين أصبحت بمثابة حجر العثرة الذى يعوق مشروعات التنمية التى تسعى القيادة السياسية لتحقيقها على أرض مصر.
كما أنه وبعد كل تلك الفترة التى مضت فى إعداده يؤكد- وبما لا يدع مجالاً للشك- أنه كلما خلصت النوايا، وكلما تم التعامل مع الأمر بمأخذ الجد، سنحصل فى النهاية على قانون مكتمل الجوانب، وصالح للعمل دون أى خلل أو عوار دستورى، على العكس تمامًا مما حدث مع قانون الانتخابات البرلمانية الذى صدر مؤخرًا حكم المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية بعض المواد به، وعلى وجه الخصوص المواد المتعلقة بتقسيم الدوائر الانتخابية، مما ترتب عليه وقف العملية الانتخابية، وإعادة القانون للبحث والدراسة، وتصحيح ما به من مواد مخالفة للدستور، وهو أمر كنا فى غنى عنه، وعن آثاره السلبية التى ترتبت عليه لو كان القانون قد أخذ الوقت الكافى من حيث البحث، والدراسة المتأنية والدقيقة.
إن الوقت الحالى الذى يشهد تحركًا واسع النطاق للرئيس عبدالفتاح السيسى على جميع الأصعدة الداخلية والخارجية، يتطلب القيام بعملية «غربلة» للكثير من القوانين القديمة التى لم تعد تصلح للدولة التى تتشكل ملامحها الآن، حيث إننا على أعتاب دولة قوية تسعى جاهدة نحو استعادة مكانتها على المستويين الإقليمى والعالمى على حد سواء.
فهل يليق بدولة فى حجم مصر ومكانتها أن يحدث بها ما جرى فى قانون الانتخابات البرلمانية؟، وكيف يكون لدينا هذا العدد الكبير من أساتذة القانون والفقهاء الدستوريين ونفاجأ بوجود عوار دستورى فى قانون الانتخابات البرلمانية؟، لذا يجب على الدولة أن تتخذ من التدابير والضمانات الكافية لأن يخرج قانون الانتخابات الذى يجرى تعديله الآن بتكليف من الرئيس وهو مكتمل الجوانب، ويتماشى مع الدستور، ليس هذا فحسب، بل إنه ينبغى أن يتم هذا الأمر مع أى قانون آخر يجرى الإعداد له فى المرحلة الحالية، أو المقبلة.
نحن الآن فى حاجة ماسة إلى صحوة تشريعية، بما تحمله الكلمة من معنى، وذلك بإصدار حزمة من القوانين التى من شأنها تحقيق وخلق حالة التنمية التى تنشدها القيادة السياسية، وهنا تبرز أهمية دور «اللجنة العليا للتشريع والإصلاح»، وذلك بالقيام بإعداد وبحث ودراسة مشروعات القوانين، والقرارات الجمهورية، وقرارات رئيس مجلس الوزراء اللازم إصدارها، أو تعديلها، أو التى تحيلها إليه الوزارات والجهات المختلفة لمراجعتها، وتطويرها، والتنسيق بينها وبين التشريعات المختلفة، لضمان عدم تعددها أو قصورها أو تناقضها أو غموضها، والعمل على ضبطها وتوحيدها وتجميعها، خاصة فيما يتعلق بالتشريعات فى المجالات الاقتصادية، والتشريعات الإدارية، والتشريعات الاجتماعية، والتشريعات التى تخص الأمن القومى، وتشريعات التقاضى والعدالة، وتشريعات التعليم.
والحق يقال فإن وجود مثل هذه اللجنة أمر فى غاية الأهمية، بل إن الظروف الحالية التى تمر بها مصر تتطلب وجود هذا الكيان الذى أراه فى غاية الأهمية، فتجارب الدول المتقدمة تؤكد أهمية وجود لجان تختص بالقيام بـ «الإصلاح التشريعى»، حيث إن كثرة التشريعات يمكنها أن تخلق بابًا للفساد، وتعمل على خلق أعباء جديدة على المواطنين فى أداء الخدمات، وربما يغلق الباب أمام خلق فرص جديدة للاستثمار، نظرًا لأن رؤوس الأموال لا تعيش فى الأجواء غير المستقرة.
ولكن الأهم فى جميع الأحوال هو أن تكون المحصلة النهائية من تلك اللجنة، أو أى لجان قانونية أخرى صدور قوانين جديدة معدة بإحكام وخالية من أى عوار دستورى، كما حدث من قبل، لأنه لا قدر الله فى حالة ظهور قانون الانتخابات مرة أخرى وهو معيب ومطعون فى دستوريته، فإن هذا ستترتب عليه آثار سيئة للغاية، وهو ما قد يجعله يتسبب فى تشويه صورة مصر أمام الرأى العام العالمى، بل ربما يكون سببًا فى ضرب ما يجرى من نهضة حقيقية فى مقتل، فكلنا نعى جيدًا أن هناك الكثير والكثير من الدول تتربص بنا، وتتصيد لنا الأخطاء، لأنها فى حقيقية الأمر دول حاقدة لا تحب لنا الخير، ولا يروق لها أن ترى مصر وهى تنهض مجددًا أو أن تقوم من عثرتها.
خلاصة القول.. نحن فى حاجة إلى تشريعات عصرية تحقق لنا طفرة فى شتى مجالات الحياة، تشريعات يقوم بإعدادها فقهاء فى القانون يضعون المصلحة العليا فوق كل الاعتبارات، ويضعون نصب أعينهم أننا نعيش الآن مرحلة «نكون أو لا نكون»، لكننى على يقين تام بتوفيق الله عز وجل بأننا «سنكون»، لأننا شعب طيب يستحق كل الخير.