قبل أن يتم اختيار الدكتور جابر عصفور ليصبح وزيرا للثقافة للمرة الثانية - المرة الأولى كانت فى حكومة أحمد شفيق فى أول أيام الثورة - الدكتور جابر ينادى فى الصحف والفضائيات بأن يتم اختيار وزير «شاب» ليتولى مهام تثقيف شعب يعانى من غزوات فكرية دخيلة على وجدانه، ثم تم اختيار الدكتور جابر عصفور ليتولى حقيبة الوزارة، فقال إنه جاء إلى الوزارة ليمكن الشباب من لعب دور حقيقى فى قيادة الحركة الثقافية، وقال أيضا إنه سيضع الخطط والاستراتيجيات من أجل أن يستفيد منها من سيأتى بعده، ومر الشهر بعد الشهر ولم يفعل الدكتور جابر عصفور شيئا يذكر، وغرق حتى أذنيه فى معارك جانبية لا تفيد فى شىء، والغريب أن معظم المعارك التى خاضها بعد أن أصبح وزيرا، لا تخص عمله كوزير له مشروع يريد أن ينفذه، بل خاضها كمفكر له آراء يريد أن يدافع عنها، وبدلا من أن يتمسك الوزير بالشعار الذى قاله سابقا «آن الأوان ترحلى يا دولة العواجيز» مستعيرا قول شاعرنا الأكبر عبد الرحمن الأبنودى، أصبح الشعار الذى يرفعه معارضوه فى آواخر أيام وزارته «آن الأوان ترحلى يا دولة المحاسيب»، وللأسف مر الشهر بعد الشهر دون أن نظفر بمشروع ثقافى حقيقى يعيد إلى مصر بهاءها، وإلى أبنائهم وعيهم المسلوب.
خرج الدكتور جابر عصفور فى أول تعديل للوزارة بعد أشهر قليلة من توليه المسؤولية، وأعتقد أنه لا خلاف على اسم «عصفور» كأستاذ كبير له من الإسهامات الفكرية والأدبية ما يجعله فى مقدمة الصفوف الأولى للحركة النقدية فى الوطن العربى، وربما لو أتته الوزارة مبكرا كان أداؤه سيختلف كثيرا، لكن على أى حال فقد رحل «الوزير» وبقى الناقد «الكبير» وظلت مهمة النهوض بالثقافة المصرية مهمة معلقة فى رقبة الوزير الجديد الدكتور «عبد الواحد النبوى» وهو من الشخصيات المعروفة بدماثة خلقها واجتهادها ودأبها وهو ما ظهر أثناء عمله كمدير لدار الوثائق القومية، وصار واجبا على الجميع أن يسهم فى عملية النهوض بالثقافة فى ظل تحديات مؤرقة ليست على المستوى المحلى فحسب وإنما على المستوى العالمى أيضا.
أعتقد أن أول شىء يجب أن يضعه «النبوى» فى ذهنه هو أن مصر تحتاج إلى نهضة ثقافية شاملة، فقيادة وزارة الثقافة تختلف كثيرا عن قيادة دار الوثائق، ومن الواجب هنا أن يضع الوزير الجديد نصب عينه أخطاء من سبقوه، فليس مطلوبا أن يغرق الوزير فى المعارك الإعلامية، ولا أن يحاول تلميع اسمه بالافتتاحات الوهمية، ولا أن يرسخ لدولة المحاسيب والأتباع، ولا أن يحبس نفسه داخل جدران الوزارة، وغاية ما أتمناه أن يدرك الوزير الجديد أنه أصبح وزير «ثقافة مصر» وليس وزير «وزارة الثقافة».
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة