ما أجمل أن تجلس إلى مبدع متميز عاصر جيل الرواد وتفاعل معهم، وما أمتع أن تتواصل معه بين أحضان الطبيعة، فبحيرة قارون ممتدة أمامك بهيبتها التاريخية وأساطيرها المثيرة، والمساحات الخضراء تغمرك بحنان، والسماء تصفو وتروق لعينيك. أتحدث عن الأديب المتفرد عبده جبير الذى هجر القاهرة منذ عقد من الزمان، واستقر فى الفيوم يعانق الطبيعة ويكتب القصص والروايات، والرجل يعد واحدًا من أبرز جيل السبعينات فى القصة القصيرة والرواية، وله تجارب متنوعة وناجحة فى إدارة المجلات الثقافية، إذ شغل - على سبيل المثال - منصب مدير تحرير مجلة القاهرة فى مجدها القديم.
لم أكن قد التقيته منذ عشرين سنة، فلما رأيته قبل أيام فى محرابه (الفيومى) سعدت به كثيرًا، ودارت بيننا حوارات وانسالت الذكريات، والأستاذ عبده بارع فى الحكى، وقصصه ورواياته تشهد بذلك (أنصحك بقراءة روايته الجميلة عطلة رضوان، وفارس على حصان من خشب)، وقد فوجئت بأنه أصدر كتابًا جديدًا يروى فيه لقاءاته العديدة مع نجيب محفوظ الذى بدأت منذ عام 1968، حين كان مقهى «ريش» هو الملتقى الدائم لصاحب نوبل.
الكتاب اسمه (بفضل كل الخيال.. قصص قصيرة مع نجيب محفوظ)، يضم مجموعة من المقالات التى تتكئ على قصص حقيقية سمعها الأستاذ عبده من صاحب «الحرافيش»، ومن أجمل هذه القصص هذه الحكاية عن رواية «زينب» لمحمد حسين هيكل باشا: يقول عبده على لسان محفوظ: (لما نشرت زينب فى الجريدة، صحيفة أسبوعية، كان يصدرها لطفى السيد، لأول مرة قامت خناقة بين المجاورين، أى طلبة الأزهر، والأفندية استعملت فيها النبابيت، قال، وسالت الدماء أنهارًا. قال، والعهدة على الراوية الذى تفوح منه رائحة الحكايا فعلا، وماذا كان الخلاف، وقد شالت عربات الإسعاف المبطوحين على النقالات وجرت بهم صارخة إلى قصر العيني، قال، والعهدة على الراوية العاشق للروايات، كان الخلاف حول أنه كيف يجوز لرجل أن «يشخّص» فتاة، يصف عينيها السوداوين وقوامها الفارع وشفتيها وجيدها، ومن يعرف ربما غنجها...).
انتهى كلام عبده ولم ينته الخلاف بين دعاة الحرية وضيقى الأفق!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة