القبض على «المستريح» ريان الصعيد، كان بمثابة «البالوعة» التى انفجرت وأخرجت كل «العفن» المسيطر و«المعشش» على كل شبر فى هذا الوطن، وكشف أن وهم توظيف الأموال، وتحقيق الثراء الفاحش دون جهد وبذل العرق، ليس الوهم الوحيد فى مصر، بل هناك أباطرة فى توظيف الوهم واللعب على مشاعر البسطاء، فى كل المجالات، السياسية، والخدمية، والدينية أيضا.
توظيف الوهم وصل إلى حد الضحك على الشباب والفتيات من الذين فاتهم قطار الزواج، وذلك بافتتاح مكاتب للزواج، و«توفيق راسين فى الحلال» فى مقابل الحصول على رسوم من الشباب والفتيات، وتحقق هذه المكاتب أرباحا خيالية، دون أن تنجح فى تحقيق زيجة واحدة، والمصيبة أن الغالبية الكاسحة من هذه المكاتب تعمل دون تصاريح، وبعيدا عن الإطار والتقنين القانونى، ومن ثم غياب رقابة الدولة كالعادة.
أما أسوأ توظيف الوهم، فى تقديرى الشخصى هو الاتجار بأحلام الشباب الحاصل على مؤهلات مختلفة من المتوسطة وفوق المتوسطة والعليا، وحتى الحاصلون على درجتى الماجستير والدكتوراة، الباحث عن فرصة عمل حقيقية، خاصة الذين مازالوا لديهم قناعة بالقول المآثور «إن فاتك الميرى اتمرمغ فى ترابه»، وهنا يطفو على السطح، تجار توظيف وبيع الوهم، على السطح، للضحك على الشباب، وإقناعهم بإمكانية توظيفهم.
هؤلاء «المستريحون» فى توظيف بيع الوهم للشباب للحصول على وظائف حكومية فى الوزارات المهمة على رأسها وزارات البترول والاتصالات، والداخلية، والكهرباء والمالية، وضعوا قائمة بأسعار الوظائف، تختلف فى وزارة البترول، عنها فى وزارة التربية والتعليم، على سبيل المثال.
الوظيفة فى وزارة الكهرباء حسب قائمة الأسعار تبدأ من 50 إلى 80 ألف جنيه، أما الالتحاق بكلية الشرطة فيصل إلى ربع مليون جنيه، وفى وزارة البترول وصل سعر الحصول على وظيفة، حسب ما يصدره تجار الوهم، إلى 150 ألف جنيه، ونفس السعر للحصول على فرصة عمل فى وزارة الاتصالات.
أما فى وزارة الصحة والتربية والتعليم والتنمية المحلية، والإسكان، فتتفاوت أسعار توفير فرص العمل ما بين 20 إلى 50 ألفا، وهى الوزارات التى ليس لها مزايا مادية كبيرة مثل وزارات الكهرباء والاتصالات والبترول.
هذه المافيا، التى تدعى قدرتها على توفير فرص عمل حكومية، فى الوقت الذى فشلت فيه الحكومة نفسها فى توفير مثل هذه الفرص، إنما هو توظيف بيع الوهم، استغلالا لحاجة الشباب لفرصة عمل، تحدد ملامح وترسم خريطة مستقبله فى هذا الزمن الصعب.
يحدث ذلك أيضا فى ظل غياب رقابة الدولة، وغض الطرف عن هذه المافيا التى تتاجر فى أحلام البسطاء، وهى التجارة السوداء الأسوأ فى هذه الحياة.