يمكنك أن تقطع كلّ الأزهار ولكنك لا تستطيع أن تمنع الربيع من القدوم، تلح هذه الكلمات لبابلو نيرودا فى هذا التوقيت من كل عام.. فى الماضى كان المغنون والشعراء ينتظرون قدوم الربيع بالصور الغنائية والحفلات، كأنهم يحيون تقليدا قديما، كانوا يشعرون بمسؤولية تجاه البشر الذين يتزامن احتفالهم بشم النسيم مع عيد القيامة، المظاهر الآن أصبحت متقشفة، مصحوبة بكلام لرجال دين لا يشبهون المصريين ولا توجد فى أصواتهم علامات ربيع، رجال يحرمون الاحتفال ويحرمون أكل الفسيخ، ويكون التحريم مضاعفا لو كان إيرانيا، والعقلاء فى دار الإفتاء يحللون الاحتفال بشرط التزامه بتعاليم الإسلام، الحكيم بقراط كان يقول: «من لم يبتهج بالربيع، ولم يتمتع بنسيمه، فهو فاسد المزاج يحتاج إلى العلاج». وكان المأمون يقول: أغلظ الناس طبعًا، من لم يكن ذا صبوة. ويقول على بن عبيدة: الربيع جميل الوجه، ضاحك السن، رشيق القد، حلو الشمائل، عطر الرائحة، كريم الأخلاق. وقال آخر: الربيع شباب الزمان، ونسيمه غذاء النفوس، ومنظره جلاء العيون. أحمد حسن الزيات كان يرى أن أحمد شوقى أعظم من استقبل الربيع شعرا، إذ خصه بقصيدتين من محكم الشعر وجيده، الأولى أهداها إلى الكاتب القصصى هول كيل، والثانية ألقاها فى حفل لتكريمه، استهل الأولى:
آذَارُ أَقْبَلَ قُمْ بِنَا يَا صَاحِ حَيِّ الرَّبِيعَ حَدِيقَةَ الأَرْوَاحِ
وَاجْمَعْ نَدَامَى الظَّرْفِ تَحْتَ لِوَائِهِ وَانْشُرْ بِسَاحَتِهِ بِسَاطَ الرَّاحِ
صَفْوٌ أُتِيحَ فَخُذْ لِنَفْسِكَ قِسْطَهَا
فَالصَّفْوُ لَيْسَ عَلَى الْمَدَى بِمُتَاحِ
وَاجْلِسْ بِضَاحِكَةِ الرِّيَاضِ
مُصَفِّقًا لِتَجَاوُبِ الأَوْتَارِ والأَقْدَاحِ
وفى الثانية:
عَبْقَرِىُّ الْخَيَالِ، زَادَ عَلَى الطَّيْـ
ـفِ، وَأَرْبِى عَلَيْهِ فِى أَلْوَانِهْ
صِبْغَةُ اللهِ؛ أَيْنَ مِنْهَا رَفَائِيل
ومِنْقَاشُهُ وَسِحْرُ بَنَانِهْ؟
رَنَّمَ الرَّوْضَ جَدْوَلاً وَنَسِيمًا
وَتَلا طَيْرَ أَيْكِهِ غُصْنُ بَانِهْ
وَشَدَتْ فِى الرُّبَا الرَّيَاحِينُ
هَمْسَا كتَغَنِّى الطَّرُوبِ فِى وِجْدَانِهْ
كُلُّ رَيْحَانَةٍ بِلَحْنٍ؛ كَعُرْسٍ
أُلِّفَتْ لِلْغِنَاءِ شَتَّى قِيَانِهْ
نِعَمٌ فِى السَّمَاءِ وَالأَرْضِ شَتَّى
مِنْ مَعَانِى الرَّبِيعِ، أَوْ أَلْحَانِهْ
وكل عام ومصر بخير