تُشكل الطرق الصوفية بمصر أحد أهم التيارات الإسلامية المعتدلة المتجذرة اجتماعيًا ويمكن التعويل عليها لمواجهة التطرف الدينى، فهل تدرك السلطة مدى انتشارهم الواسع الذى يتجاوز عشرة ملايين، ولماذا تستعين بالسلفيين لمواجهة الإخوان رغم منهجهم الطائفى ومسلكهم المتعصب، كأننا لا نتعلم من خطايانا السابقة، فنستجير من الرمضاء بالنار، ونتصور السلفيّة "بديلاً مستأنساً" وهذا برأيى تقدير خاطئ، فمرجعية السلفيين أكثر تشددًا، ووفقًا لأدبياتهم فلابد أن يفرز التيار السلفى إرهابيين ينخرطون بخلايا جهادية، فهناك شعرة رقيقة تفصل بين السلفية الحزبية والجهادية، وبخبرة ربع قرن متابعًا للحركات الإسلامية أؤكد أن معظم السلفيين يحملون داعشيًا كامنًا يترقب ظروفًا مواتية ليذبح ويُفجر.
ويستخدم السلفيون فزاعة التشيع لوصم المتصوفة بزعمهم الغلو بتبجيل آل البيت والأولياء الصالحين ويتهمونهم بتلقى تمويل إيرانى، وبالطبع هذه محض افتراءات فليس هناك قضية واحدة اتهمت الطرق الصوفية بذلك، وخلصت دراسة أعدتها "مؤسسة كارنيجى" بعنوان "السلفيون والصوفيون بمصر"، لنتائج أبرزها أصالة الصوفية وأسبقيتها بالمجتمع، ومركزيتها والتزامها بالتسلسل الهرمى لقياداتها، وتمحورها حول شخص "شيخ الطريقة" لتحديد طبيعة الأنشطة، بينما التيار السلفى يتسم باللامركزية ويضم عددًا كبيرًا من المشايخ الذين يطلقون فتاوى تثير الخلافات بينهم أنفسهم، ناهيك عن تعميق الاستقطاب الاجتماعى، واستدعاء الطائفية بالإساءة لمعتقدات المسيحيين.
وقارنت الدراسة علاقة السلفيين والمتصوفة بالمؤسسة الدينية الرسمية "الأزهر" مؤكدة عمق علاقة الصوفية أكثر من السلفية، فشيخ الأزهر أحد كبار المتصوفة، لكن ذلك لا يعنى قطيعة السلفيين بالأزهر، فبعضهم ينتمون له، وإن كانت الصلة حديثة، ونشأت عبر عملية اختراق منهجية.
والمقصود بالتيار السلفى المصرى تلك المجموعات التى انتشرت خلال العقود الثلاثة الماضية، وتتبنى منهجاً صارمًا بمعتقداتها وسلوكها، وتلتزم بمظهر نمطى كإطلاق اللحى واعتبار النقاب فريضة وتسفيه خلافه من الأزياء النسائية، وتختلف أيضًا جذريًا عن نظيرتها بدول الخليج، فهؤلاء يرفضون العمل بالسياسة والانخراط بالأحزاب خلافًا لتيار "السلفية المصرية المتأخونة" فهى "مشروع داعشي" وبأفضل الأحوال نرصد تناقضًا صارخًا، فقواعدهم العريضة يدعمون الإخوان، بينما يتبنى قادتها موقفًا عكسيًا بإظهار ولائهم للسلطة.
ومسألة العنف محسومة صوفيًا برفضها تمامًا، بينما يُشكل تراثًا لكل التيارات الحركية ذات المرجعية السلفية، فهى ليست ظاهرة فردية طارئة، لكنها منهج تُفضى إليه بمحطة بمسيرتها، ربما تظهر سريعًا أو تتأخر، وتبقى لصيقة بتركيبتها الذهنية والنفسية والفكرية ووسيلتها حال انسداد الأفق والاصطدام بالسلطة، لهذا فاستخدام "السلفية الداعشية" سياسيًا لأهداف مرحلية محفوف بالمخاطر، فالتجارب السابقة أثبتت استحالة محاصرتها بأدوار محددة والاستغناء عنها، لأنها تتحول للعمل لحسابها الخاص، واختراق الإطار المرسوم لها.