أثار ظهور علاء وجمال، نجلى الرئيس المخلوع مبارك، فى عزاء والدة الكاتب الصحفى مصطفى بكرى موجة كبيرة من الجدل والدهشة والأسئلة والتفسيرات.
وصاحب أول ظهور لنجلى الرئيس فى مناسبة اجتماعية وبشكل مفاجئ حتى لأصحاب هذه المناسبة - حيث بدا أن بكرى نفسه فوجئ بوجودهما فى سرادق العزاء - مجموعة من المشاهد التى بدت معها شعبية ابنى المخلوع وتعاطف وحب بعض المواطنين لهما، حيث نشرت وسائل الإعلام صورا وفيديوهات توضح مشاهد حفاوة الناس بهما والتهافت لمصافحتهما وعبارات من قبيل "يا زعيم يابن الزعيم، وشعبيتكم بانت".
وبصرف النظر عن حق نجلى المخلوع كمواطنين عاديين برأهما القضاء، وأصبحا طلقاء ولو كره الكارهون وأهالى الشهداء وثوار يناير فى ممارسة حقوقهما الطبيعية، والمشاركة فيما يحلو لهما من مناسبات اجتماعية أو حتى سياسية، فإن خروجهما الأول والمفاجئ ومشاهد استقبال الناس لهما تثير عددا من التساؤلات المشروعة.
أولها هل هذه الحفاوة والشعبية التى حظى بهما علاء وجمال فى سرادق العزاء شعبية حقيقية؟، وإذا كانت كذلك فهل تذكرون مشهد إلقاء القبض عليهما والحرص الشديد والتأمين المشدد لهما خوفا من تعدى المواطنين عليهما وعلى والدهما؟، وهو ما حدث طوال فترة محاكمتهم، وهل لو خرجا للتجول كمواطنين عاديين فى الشارع أو فى مكان عام سيحظيان بنفس الاستقبال والحفاوة أم أن الاستقبال سيكون "نص نص"؟ أى سنجد من يرحب بهذا الظهور ومن يصب عليهما لعناته؟
وهل لهذا الظهور الاجتماعى معان وظلال سياسية؟ ومن المستفيد والخاسر من هذا الظهور، أبناء مبارك أم أبناء بكرى؟ وهل كانت هذه الخطوة محسوبة ومدروسة من نجلى المخلوع أم أنها تصرف وواجب اجتماعى تلقائى وطبيعى؟
من الواضح والمؤكد أن هذا الظهور الأول لنجلى المخلوع كان مدروسا ومحسوبا، ولم يكن عشوائيا حتى فيما يتعلق بتأمين حياتهما، وضمان ألا يحدث عليهما أى اعتداء أو يتعرضا لإهانة، وهو ما دفعهما لاختيار الظهور الأول فى عزاء، لأنهما يعرفان أن المصريين مهما بلغت درجة عداءهما لأى شخص فلن يحدث عليه تعد أو يتعرض لإهانة أثناء قيامه بهذا الواجب، رغم وجود عشرات المعارضين لنظام مبارك داخل سرادق العزاء الذى جمع كل الأطياف السياسية المختلفة، والتى قد يوجه أحدها لعناته لأبناء مبارك لو رأهما فى تجمع أو مكان آخر غير سرادق العزاء، وهو ما فطن له أغلب رموز نظام مبارك الذين برأهم القضاء، حيث كان أول ظهور لكل منهم فى واجب عزاء.
أما الحفاوة والتهافت على مصافحة نجلى مبارك من مواطنين بسطاء فهو ما يمكن أن يتغير بعض الشىء، أو يتحول إلى النقيض إذا ما ظهرا فى مكان عام آخر يضم معارضين ومؤيدين لمبارك ونجليه، حتى أنه قد يمتد إلى إلقاء الشتائم والإهانات أو محاولات التعدى.
ويمكن تفسير تلك الحفاوة والمصافحة بطبيعة المشهد الأول الذى يرى فيه مواطنون بسطاء مشاهير لم يروهم على أرض الواقع من قبل، ولم يشاهد صورهم سوى فى وسائل الإعلام، وهو ما يفعله البسطاء دائما مع نجوم الفن والكرة، حتى وإن لم يكونوا يحظون بحب أو شعبية كبيرة، فما بالنا بأبناء رئيس كانوا ملء السمع والبصر ولا يحلم مئات البسطاء برؤيتهم وجها لوجه على أرض الواقع يمشون ويتحركون ويقدمون واجب العزاء مثله.
أما عن المردود والظلال السياسية لمشهد أول ظهور عام لعلاء وجمال فى قلب ميدان التحرير الذى شهد الثورة على والدهما وإعلان سقوطه، فشئنا أم أبينا وسواء أحسنا الظن أو أسأناه فهو يفسح المجال ويمنح الفرصة لظهور كل رموز الحزب الوطنى ونظام مبارك سواء على المستوى الاجتماعى أو السياسى، وتقبل المجتمع لهذا الظهور، فإذا كان أبناء مبارك قد ظهرا وسيظهران فى تجمعات أخرى ويعتاد الناس رؤيتهم .."عادى يعنى"، إذن فالأكثر من عادى هو ظهور كل رموز هذا النظام الأقل مرتبة وأهمية من ابنى المخلوع، خاصة جمال الذى كان أحد أركان هذا النظام وأحد أسباب سقوطه بسبب ما أثير حول حلم توريثه الحكم، فلا يصبح من المستغرب أن تجد رموز الحزب الوطنى يعودون للترشح للانتخابات والعمل السياسى.. وتحول هذا الأمر ليكون "عادى جدا ومألوفا وغير مستغرب"، هو حلم نظام مبارك بكل أركانه يسعى لتحقيقه بالتدريج وبدراسة كل المشاهد منذ قيام ثورة يناير وحتى يومنا هذا وما بعده.
أخيرا فإن الرابحون من مشهد عزاء والدة الكاتب الصحفى مصطفى بكرى هما نجلى المخلوع، وهو ما ظهر على ابتسامتهما الواسعة وهما يشهدان حفاوة بعض المواطنين واستقبالهم الحار، ونجاح مشهد الظهور الأول لهما.. وهو ما يؤكد أن سعيهما مدروس.