هيا بنا نصب بعضًا من الوجع فى وعاء قلبك..
تعلمنا الأخبار الآتية من بلاد الغرب بأن الأطباء ومن معهم ملائكة رحمة، وتخبرنا الأخبار الآتية من محافظات الداخل بأن الأطباء عندنا فى مصر لا بيرحموا ولا بيسيبوا رحمة ربنا تنزل، ولا تحكمهم قوانين تمنحهم حقوقا أو تقتص منهم وقت الخطأ.
الأطباء فى مستشفى طنطا التعليمى ألقوا بمريض مصاب بجلطة فى ساقه اليسرى إلى الشارع، لا رفيق له ولا يملك مالا قادرا على إغراء عيون السادة المسؤولين عن المستشفى.
رئيس الوزراء لا يشعر بأى إهانة ومستشفيات حكومته ترفض تنفيذ قراره الخاص بضرورة استقبال المرضى فى الحالات الطارئة، ربما اعتاد أن يبلل بعض من قراراته ويشربها على غير ريق، هذا شأنه، وشأننا أن نهتم بالعم زكى أنور ونفضح هؤلاء الذين ألقوا به فى الشارع لتتفاقم إصابته من جلطة فى القدم إلى «غرغرينة» تهدد ببتر ساقه.
العم زكى أنور نام على رصيف المستشفى فى عز البرد، حاول الأهالى مساعدته وإقناع الأطباء باستقباله وعلاجه لحين تدبير المصاريف، رفض الأطباء واكتفى الأهالى بتوفير بطاطين تحمى الرجل غدر الطقس، ولكنها لم تحمه من نار الوجع فى قلبه، فلم يجد لمداواتها سوى عبارة قال فيها: «الكلب لما مات البلد وقفت على رجل.. وأنا مش لاقى سرير ولا علاج.. وبقيت أنام على طوب فى الشارع وبدون علاج».
هل سينتفض أحد غضبًا لعم زكى والآلاف مثله من الذين تطردهم المستشفيات؟ لا ننتظر من السيد رئيس الحكومة انتفاضة من أجل المواطن زكى أنور، فهو أصلا لم ينتفض لقراراته التى يضربون بها فى المستشفيات عرض الحائط.
تظن أنت ويعتقد بعضهم أن المستشفيات فى مصر تحتاج إلى إعادة هيكلة مادية وصحية، بينما الممارسات اليومية تقول بأنها تحتاج إلى إعادة هيكلة إنسانية، وإعادة صياغة بشرية لأغلب العاملين فى هذا القطاع حتى يحترموا أوجاع البشر.
لا شىء سوى أجواء الحزن.. يمكنك أن تحصل عليه داخل المستشفيات، حتى ولو كانت زيارتك عابرة لتهنئة مريض منّ الله عليه بالشفاء، ربما لأن أغلب الأطباء فى مصر لا يملكون من الرحمة والود ما يكفى لأن يمنحوا به برودة أجواء المستشفيات قليلا من الفرح أو الأمل.
لا أعرف من أى نبع عكر استقى بعض أطباء مصر طريقة الأداء هذه التى يظهرون خلالها، وكأنهم جزارون فى سلخانة، أو مديرو شركات معدات ميكانيكية، أو سفراء، أو رؤساء لا يريدون كلمة، ولا مقاطعة ولا سؤالا، ولا استفسارا من بشر يعلمون هم يقينا أنهم مثل الغرقى، يبحثون عن النجاة والأمل فى كلمة، أو ابتسامة تغلف الحقائق الصعبة.
نفذوا وصية إعلان التسعينيات الشهير، وافعلوا مثلما فعل أصحاب إعلان جرافينا، وانسفوا مستشفياتكم القديمة رحمة بالناس والغلابة من أهل هذا الوطن.