دعا الإعلامى الشاب الشتّام من قبل إلى حرق صحيح البخارى الذى يحوى أصح ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما دعا إلى حرق كل كتب التراث، والغريب أنه يحسب نفسه ضمن أئمة التنوير والدفاع عن الحريات والأخلاق، ويحسبه القوم على أنه المنقذ للأمة من الظلام. وفى أول تطبيق عملى لدعوات الرجل للحرق، قامت وزارة التربية والتعليم فى محافظة الجيزة بشن حملة عنترية على الكتب الإسلامية فى مكتبة مدرسة «فضل الحديثة»، فى مشهد عبثى من مشاهد الوطنية الكاذبة، حيث وقفت الفارسة الهُمامة بثينة كشك، وكيلة وزارة التعليم بالجيزة، عضو لجنة السياسات بالحزب الوطنى سابقًا، لتشرف بنفسها على أهم حدث تعليمى مصرى، سينقل الطلاب من درجات الجهل إلى سلم العلم العظيم.
رفرف العلم عاليًا، وكادت موسيقى الحرب على التراث تدق طبولها، وإذا بالنيران تشتعل أمام أقدام نيرون التعليم «بثينة وأخواتها» لتأتى بالكتب المسكينة كتابًا وراء الآخر، مصفدة بالإغلال والأحقاد خشية الهروب أو الوصول إلى أى دماغ، وتخطب فارسة التعليم الأولى فى الحفل الوطنى الكبير قائلة: «إن هذه الكتب إن لم تحرق فستحرق الوطن.. وطنى حبيبى الوطن الأكبر يوم ورا يوم حرائق التراث بتكبر»، فبكى الحضور تأثرًا وهللوا وكبروا كتكبير داعش حينما تحطم الآثار».
جاءوا فى البداية بكتب العلامة د. عبدالحليم محمود، شيخ الأزهر الأسبق، وكان على رأسها كتاب «منهج الإصلاح الإسلامى،» حرقوه وهو يئن من الألم، ثم جاءوا بكتب أخرى للفقيه الذى لم تنجب مصر مثله حتى الآن، لا فى الفقه المدنى ولا فى الفقه الإسلامى، العلامة د. عبدالرازق السنهورى الذى كتب القانون المدنى، ودساتير عدة دول عربية وإسلامية، وصاحب أكبر موسوعة فى الفقه المدنى.. استجارت الكتب فلم يسمعها أحد لارتفاع صوت نشيد «وطنى حبيبى»، قدموا كتبًا أخرى للحرق، اتضح أنها عن جمال الدين الأفغانى، وأخرى عن الإعجاز العلمى لزغلول النجار، وأخرى لأبى بكر الجزائرى، مثل «منهاج المسلم»، حتى فوجئ القوم بكتاب لعبد العال الحمامصى فقالوا: «أحرقوه سريعًا.. ده شكله إخوان من حمص»، حتى جاء الدور على كتب الشيخ على عبدالرازق الذى كان الأزهر يراها مخالفة لمنهجه، ورأى العلمانيون أنها تمثل العلمانية الإسلامية، فقالوا: «أحرقوها لا نريد أى شىء عن الخلافة أو ضدها.. اطلع على النار».
أكثر من ثمانين كتابا احتفلت وزارة التعليم بحرقها على رؤوس الأشهاد، بحجة تافهة سقيمة، هى أن هذه الكتب تدعو للإرهاب والعنف، وأن هذا الإجراء اتخذ لحماية الطلاب من «غسيل المخ».. ولأن المدرسة كانت سابقًا تابعة للإخوان، ومادام قد ذكر الإخوان، فكل شىء مباح، بداية من الحرق حتى الموت، وكلما أردت أن تمرر مصيبة انطق بكلمة «الإخوان» ليصمت الجميع.
إن هؤلاء الذين يحرقون الكتب باسم الوطنية، ويصادرون حقوق الآخرين بشعارات الوطنية، ويحتكرون الوطنية، كأنما لم تولد إلا فيهم ومنهم ولهم، هؤلاء لا يصلحون لشىء، لا لدنيا ولا لدين ولا لوطن، فبحجة الوطنية افعل ما تشاء.. اهدم الأديان كما تشاء.. اشتم العلماء كما تشاء.. بحجة الوطنية أحرق كل شىء، ودمر كل شىء، ودمر كل مخالفيك. وفى المقابل هناك بعض الحركات الإسلامية تحتكر الإسلام والدين، وبحجة الإسلام والدفاع عنه يشتم ويدمر ويحرق وتقطع أرزاق الناس وأقواتهم فى صراع مقيت حول لا شىء. والغريب فى الأمر كله أن معظم الفضائيات التى تصدعنا صباح مساء بحرية الفكر ابتلعت ألسنتها. وأخفت كاميراتها، كأنها لا تسمع ولا تتكلم ولا ترى، ولك أن تتصور لو كان وزير التعليم من حزب النور، فساعتها كانت القيامة ستقوم وستنقلب الدنيا رأسًا على عقب لطمًا وشجبًا وصراخًا وعويلًا على الكتب، وضياع التنوير وعصور الظلاميين أعداء الحضارة.. آه يا بلد.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
أحمد عمر
حسبنا الله و نعم الوكيل
جزاكم الله خيرا و زادكم الله توفيقا و نفع بكم
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد يوسف
شكرا دكتور ناجح
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد بركات
اااااااه يا بلد
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب الاصيل
الشتائم والاهانات اسلوب الضعيف الذى لا يقوى على الاقناع - هذه سبوبه لزيادة الاعلانات على الفضائيات
بدون