أتفهم حالة اليأس والإحباط، التى تحاصر قطاعا عريضا من شباب رأسهم شاب قبل الأوان بفعل عدة ضربات متتالية سددها لهم واقع أليم فأصابهم بالدوار والتخبط والتيه فى دوامة الفكر الخانق حتى الوفاه، أتفهم حالة البؤس والشقاء والإحساس بالضياع، أتفهم معنى أن تحتاج ولا تجد ومعنى أن تتحطم كل الأحلام على صخرات الواسطة والفساد والمحسوبية ومعنى أن يصبح الموت غرقا فى سفينة هجرة غير شرعية أفضل من الحياة فى وطن يجبرك أن تظل تأخذ المصروف من أبيك حتى وأنت فى الثلاثين من عمرك، أتفهم أيضا الأثر النفسى المرير لكل ذلك، وما الذى يمكن أن يحدث نتيجة كل ذلك، لكنى لا أتفهم أبدا كيف يدفع ذلك لتدشين هاشتاج للتنازل عن الجنسية المصرية، ومن ثم التنازل عن الهوية والأصل والجدر والمنبت، لن أزايد على أولئك الراغبين فى التنازل عن جنسيتهم ولن أنعتهم بالخيانة والعمالة وقلة الأصل، ولن أحدثهم عن شعارات الوطنية والانتماء، وأنا أغنى نشيد بلادى بلادى لكى حبى وفؤادى، وسأكون أكثر واقعية من كثيرين ردوا عليهم بهاشتاج مضاد يحمل اسم "الجنسية المصرية شرف".
لكن سأخاطبهم بنفس المنطق الذى قرروا على أساسه التخلى عن جنسيهم لتصل الرسالة كما هو مطلوب دون زيادة أو نقصان.
أنت يا من ترغب فى التنازل عن جنسيك والحصول على جنسية أخرى، من أكد لك أن مع الجنسية الأخرى ستعيش كما تريد وستحل كل مشاكلك وسيأتيك المستقبل الذى تريده فاتحا ذراعيه ليأخذك بالأحضان؟، من صور لك أن البلد الذى تريد الانتماء إليه ستصبح فيها زويل عصرك وآوانك؟ من أين تضمن أن يحالفك التوفيق وتصيب الهدف وعندما تهاجر وتحصل على جنسية أخرى ستجد كل الأبواب مفتوحة إليك على الرحب والسعة لتحقق ما أخفقت فيه هنا؟، ليس كل تغيير بالضرورة هو تغيير للأفضل وليست كل ثورة على الواقع تجنى بعدها ثمار ما كنت تأمل فيه، لا تنسى أننا قمنا بثورة على نظام مبارك الفاسد لنغير الواقع فوجدنا أنفسنا أمام واقع أكثر سوءا وتفاصيله أبشع من مجرد السرقة والفساد وكنا على يد تنظيم الإخوان الإرهابى سندخل فى نفق من الدم والضلمة نهايته كانت مشروع التقسيم وحلم الخلافة، لو أعلنت التخلى عن جنسيتك لن تقبلك أى دولة كبرى يلمع فى عينيك بريق احترامها لمواطنيها لأن هذا يحدث بشروط معينة وفى ظروف معينة وخاصة جدا والباب ليس مفتوحا على مصراعيه، كما تعتقد، قد تجد الفرصة سهلة لكن حتما ستجدها فى دولة يعيش مواطنوها فى حالة أكثر فقرا ووجعا واحتياجا من مواطنى دولتك والوضع فيها سيئ لدرجة حتى لا يمكن مقارنته أصلا بالسوء فى دولتك، وقد تنجح فعلا وتحقق ما تصبو إليه، لكن الأمر سيتطلب كما غير عادى من الشقاء والصبر والقدرة على تحمل أوجاع الغربة والغرابة منفردا وأنت أصلا غير مؤهل لذلك وإلا كنت تحملت وصبرت على الشقاء فى بلدك ووسط أهلك وناسك، أنا لا أؤكد أن كل من هاجر من البلد فشل فى الخارج وعاد يجر أذيال الخيبة والإحباط لكنى أجزم أن المجاذفة صعبة جدااا وفشلها قد يؤدى إلى موتك وأنت على قيد الحياة، لو تخليت عن جنسيتك وفشلت ستعيش الباقى من عمرك مهجرا فى الأرض، سواح بلا أصل ولا أهل ولا ناس، ستعيش كاللقيط ولو قررت العودة لبلدك ستكون أجنبيا لا يحق لك حتى العيش مثل مواطنيها بكل تفاصيل فقرهم ووجعهم وحرمانهم، سيصبح القهر الذى تمردت عليه هوة أقصى حلم تتطلع إليه، وستكون الجنسية المصرية التى كرهتها حتى التنازل عنها هى أمل صعب الوصول إليه مرة أخرى، لن ألومك لو فكرت فى السفر للبحث عن فرصة فى أرض الله الواسعة فهذا حقك المشروع، لكن أعتبرك على قدر عال من الغباء لو تنازلت عن جنسيتك وجازفت بأصلك وفصلك من أجل تجربة قد تصيب وقد تخفق، فكر جيدا وضع أمام عنييك فكرة أنك لو علمت الغيب لاخترت الواقع ولا تنسى وأنت تفكر أن أغنى وأكبر دولة فى العالم يوجد فيها شحاذون وناس يرددون يوميا جملة "عشانا عليك يارب" لكن بلغات مختلفة!!
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب الاصيل
الجنسيه هى رباط بين المواطن والوطن - للاسف هناك عوامل كثيره تدمر هذا الرياط وتحوله الى وهم كبير
الموضوع كبير وحيوى ويحتاج الى حوارات مجتمعيه
عدد الردود 0
بواسطة:
MOHAMMED
كلامك مضبوط ولكن؟