لا أحب الخوض كثيرا فى تفاصيل بعض المعارك المفتعلة التى تشغل الناس الآن، فرائحة الافتعال تفوح من بين أركان هذه المعارك، كما أن الغرض منها يظل باهتا هشا مصحوبا بالكثير من الشخصنة والارتجال، وللأسف يبدو أننا لا نتعلم من أخطاء الماضى، فلم نصل إلى التهلكة إلا بهاتين الآفتين (الشخصنة والارتجال)، فما أبشع أن يدعى البعض أنه يخوض معركة فكرية أو وطنية، وهو يعرف فى قرارة نفسه أنه لا يروم بهذه المعركة سوى تمجيد ذاته وإبرازها، وما أسوأ أن يدخل الواحد إلى معترك فكرى وهو يبنى دفاعاته ويخطط لهجماته بشكل عشوائى مرتجل، فتتشوه القضية وتوصم عدالتها بفشل المتصدرين لها.
نحن الآن أمام معركتين كبيرتين، الأولى هى «معركة خلع الحجاب»، والثانية هى «معركة البخارى» وفى الأولى حاول بعض المثقفين أن يدعوا إلى ثورة من أجل الإطاحة بحجاب النساء، ومن أجل هذا دعوا إلى مليونية وظهروا فى البرامج التليفزيونية مروجين لهذه الأفكار، وفى الثانية حاول بعض شباب الباحثين أن يهدموا تاريخا طويلا من الفكر الإسلامى بجرة قلم، وبشتات من الأفكار المطروحة من قبل آلاف المرات، والمؤسف أن «رموز» هاتين المعركتين انزلقوا إلى مستنقع الكلام المسىء، فسب أحدهم ملايين المحجبات فى مصر، بينما سب الآخر رموز الفكر الإسلامى، خسر الاثنان المعركة قبل أن تبدأ.
هنا يعلمنا شعب مصر درسا فى الليبرالية الراقية، فلم يعترض أحد حينما هاجم البعض حجاب النساء، ولم يعترض أحد أيضا حينما انتقد شباب الباحثين بعض ما جاء بكتب السيرة أو الحديث، وثارت الدنيا حينما انزلق المنزلقون فى التطاول على تراث طويل من الأفكار والممارسات بفجاجة وقحة، فأشهر المصريون سلاح الازدراء فى وجوههم، وأخرسهم بالتجاهل مرة والاعتراض مرات، وكانت أغلب تعليقات الناس على الأمر، لا تحجر على رأى أحد، ولا تنال من شخص أحد، وإنما تطالب فقط بالـ«أدب» فى الحديث عن الناس والتاريخ، مؤكدين أنهم يعرفون عن الليبرالية أكثر مما يعرفه هؤلاء «المثقفين»، وفى الحالتين طالبوا «المثقفين» باحترام الآخر وقبوله وعدم إهانته، كما طالبوهم بأن يتركوا الناس أحرارا فيما يفعلون وفيما يعتقدون، وهذا هو صلب الليبرالية.
مرة أخرى يقف الشعب شامخا متعاليا على الصغائر متحديا المهلكات، وبعد أن تصدى المصريون للانفلات الأمنى عقب الثورة والانفلات السياسى عقب تولى الإخوان الحكم، فها هو يتصدى للانفلات الفكرى بكل صرامة ليضرب بذلك المثل فى التحضر والرقى والإخلاص، والمؤسف أن الشعب دائما هو من يقوم بدوره المعلم فى مثل هذه الأزمات، بينما «الدولة» تترك الجميع غارقا فى «الشخصنة والارتجال» دون أن ترسخ مفاهيم الحرية والإنسانية فى مؤسساتها، ودون أن تنظم عشوائية الأفكار فى بناء مؤسسى متين.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد عهلي
مقال أكثر من رائع
سيأتي غدا بإذن الله وسينتهي امر الشوباشي والبحيري
عدد الردود 0
بواسطة:
مش مهم
كيف؟
عدد الردود 0
بواسطة:
مش مهم
كيف؟
عدد الردود 0
بواسطة:
صوت واحد فقط
طالما لدينا رغبات مشابهة للأسف
عدد الردود 0
بواسطة:
Abeer
تحية للتعليق رقم 3
عدد الردود 0
بواسطة:
Khlafsroor
كلماته كشفت جهله