العاملون فى الإعلام لاحديث لهم سوى عن خطة الحكومة لإعادة هيكلة ماسبيرو، وبعض وسائل الإعلام نقلت أفكارا عامة عن تطوير ماسبيرو، كما نقلت نفيا لكثير من الشائعات الخاصة بحقوق العاملين فى الإذاعة والتليفزيون ومستقبل القنوات الإقليمية، وديون اتحاد الإذاعة والتليفزيون، ورغم كل هذا الضجيج، فإنه لم يصدر عن الحكومة أو قيادات الاتحاد رؤية أو خطة واضحة لإعادة الهيكلة والإصلاح، وإنما نشرت أفكارا عامة غامضة، فجرت بالتالى مخاوف، وربما توقعات أو أمنيات، هذه الحالة من الغموض تثير كثيرا من اللغط والشكوك، ولا تمهد لحوار حقيقى فى المجتمع وبين الإعلاميين أبناء ماسبيرو، لذلك على الحكومة أن تعلن بوضوح عن تفاصيل رؤيتها أو خطتها لإصلاح ماسبيرو، إن كان لديها رؤية أو خطة، ولا شك أن نجاح أى خطة إصلاح يتطلب رؤية وإفصاحا وشفافية، يمر عبر نقاش مجتمعى تطرح فيه كل الآراء.. حوار لا تنظمه الحكومة بل تقوم به هيئة مستقلة (نقابة الصحفيين مثلا أو كلية الإعلام جامعة القاهرة) ترشح الأطراف التى تشارك فى الحوار، وتجمع الأفكار والتوصيات وتعرضها على الحكومة والرأى العام.
إذا كان للحكومة رؤية وخطة، فعليها أن تطرحها بسرعة للنقاش المجتمعى، أما إذا كان لديها خلطة سرية للإصلاح وتخشى من الإعلان عنها حتى لا يطلع عليها أعداء الوطن، فهذا موضوع آخر غير قابل للنقاش!! وعلى الرعية من أبناء ماسبيرو أن يذعنوا لخلطة الحكومة السرية فى الإصلاح، وعلى المجتمع أيضا أن يسكت فى انتظار النتائج المبهرة للخلطة الحكومية، والتى رشحت بعض ملامحها العريضة وأهمها تحويل ماسبيرو إلى إعلام خدمة عامة يحمل الطابع الاستثمارى، وله ذراع اقتصادية من خلال تشغيل بعض محطات الإذاعة ووحدات اتحاد الإذاعة والتليفزيون بشكل تجارى يهدف إلى الربح، واستخدام هذه الأرباح فى تمويل محطات إذاعية وقنوات تليفزيونية خاسرة!! إضافة إلى تعظيم الدخل من الإعلان وبيع الخدمات للغير.
أعتقد أن هذه الأفكار تدخل فى باب «الهرتلة» وإعادة اختراع العجلة، لأن كل أنظمة إعلام الخدمة العامة لا تهدف للربح، وخاسرة، حيث تحدد الدولة رؤيتها الإعلامية فى إنشاء وتشغيل إعلام خدمة عامة قوى ومميز بخدماته ذات المستوى الثقافى والفنى والتقنى العالى، بحيث يجذب الجمهور ويكون قادرا على منافسة قنوات ومحطات إذاعة القطاع الخاص التى تعمل بمنطق الربح والخسارة، ولكن وفق ضوابط قانونية ومواثيق شرف يلتزم بها إعلام الخدمة العامة وإعلام القطاع الخاص.
أخيرا، لا أحد يختلف عن ضرورة إصلاح ماسبيرو، لأن استمرار الأوضاع السائدة فى ماسبيرو سيؤدى إلى مزيد من التدهور ومزيد من الخسائر، وسبق لى أن كتبت عام 2013 مقالا بعنوان «ماذا لو أغلقنا ماسبيرو: اقترحت فيه إما إغلاق ماسبيرو مع الحفاظ على حقوق العاملين فيه، أو إصلاح ما سبيرو وضمان استقلاله عن الحكومة من خلال، أولا: تنظيم حوار مجتمعى حول إعادة هيكلة شاملة لماسبيرو تتضمن ضم قنوات وإدارات، وتقليل الإنتاج البرامجى وفترات البث، وفق معايير جديدة تعتمد الكيف لا الكم، وترتقى بالمضامين المقدمة وأساليب التقديم والإخراج، ثانيا: السعى نحو تحويل ماسبيرو إلى خدمة عامة يعبر عن كل أبناء الوطن على غرار التليفزيون الألمانى وهيئة الـ«بى بى سى»، وقناعتى الشخصية بأنه لا مستقبل لماسبيرو من دون إعادة هيكلة واستقلال تام عن الحكومة، أى حكومة، وبالتالى فإن التحايل على هذه الصيغة يقود مباشرة إلى إغلاقه، لأنه لن يستطيع أن ينافس أو يؤثر، وسيتحول إلى أداة دعائية فاشلة للحكومة لا يشاهدها أو يستمع إليها أحد، وستتضخم خسائره وفضائحه.