أنا ممن انتقدوا كثيرا حزب النور فى العديد من آرائه السياسية، وبعض مواقفه التى يتخذها بناء على فتاوى دينية يفسرها هو، ويمكن ذكر عشرات الأمثلة فى ذلك، لكنى فى نفس الوقت أرفض حل الحزب، ولا أؤيد الدعاوى التى رفعها البعض أمام القضاء لحله على أساس أنه حزب دينى.
أمس الأول قضت المحكمة الإدارية العليا بعدم قبول دعاوى حل الحزب، وإعادتها إلى القضاء الإدارى لنظرها، وفيما فسر البعض الحكم بأنه يستند إلى جانب إجرائى فى رفع الدعوى القضائية، ولم يتطرق إلى جوهر القضية، إلا أنه فى جوهر القضية دعونا ننطلق من قاعدة حاكمة وهى حق تكوين الأحزاب للجميع، مادامت لا تقوم على أسس دينية وطائفية ولا تدعو إلى العنف المسلح.
وبعد ثورة 25 يناير كانت الشهية مفتوحة للمشاركة السياسية بعد سنوات طويلة من الاستبداد، وغلق كل الفرص أمام تكوين الأحزاب، وفى غضون شهور قليلة بعد الثورة انفجرت ماسورة الأحزاب الجديدة، فتكونت أحزاب يسارية وأخرى ليبرالية وأحزاب قالت إن مرجعيتها «إسلامية» مثل حزب «الحرية والعدالة» الذراع السياسية لجماعة الإخوان، وحزب «النور» الذى قيل إنه الذراع السياسية لـ«الدعوة السلفية»، وحزب «البناء والتنمية» الذراع السياسية للجماعة الإسلامية، وتعد هذه الأحزاب هى الرئيسية فى هذا المجال بالرغم من وجود أحزاب أخرى مثل «الأصالة» و«الوطن» المنشق عن «النور».
بالطبع شهدت المرحلة التالية لتأسيس هذه الأحزاب موجة هائلة من الخطاب الدينى المتخلف، تزعمه هؤلاء المحسوبون على الأحزاب التى زعمت أن مرجعيتها «إسلامية»، وكلنا نعرف النتائج الكارثية التى ترتبت على ذلك، وفى القلب منها حكم جماعة الإخوان ومحمد مرسى، وكانت ثورة 30 يونيو هى صيحة الرفض الكبرى لخطاب هذه الأحزاب، وكان حزب النور ضمن الذين شاركوا فى هذه الثورة، وقبلها خلافه العنيف مع الإخوان.
من المفيد أن نتذكر محطات حزب النور منذ إنشائه لنعرف، هل هو يشهد تطورا من محطة إلى أخرى، وهل يسعى إلى الاستفادة من تجارب الأحزاب الأخرى؟ وفى تقديرى أن الإجابة المنصفة ستكون لصالحه فى ذلك، وتؤكد أنه أصبح حزبا سياسيا رغم ولادته بصبغة دينية، والأصوب أن نتركه للجماهير لتحكم عليه عمليا، وهذا هو الأقوى من حكم القضاء.