لم يمر زمن على تاريخ البشرية إلا وكان الصراع بين التجديد والسلفية قائما، وخطوة بعد خطوة اكتسب العالم مهارات لإدارة هذا الصراع جعلت منه أمرا مفيدا للبشرية بأكملها، فلم ينشأ هذا الصراع نتيجة ترف فكرى أو رفاهية تحديثية، وإنما فرضته الضرورة وأوجبته مستجدات العصر، انظر إلى التاريخ الإنسانى كله وما به من مذابح ومجازر وظلمات قبل أن تنظر إلى التاريخ الإسلامى وما به من أمور مشينة، لتعرف أن معركة الصراع بين التجديد والسلفية كانت قائمة وستظل قائمة، ليس فى التاريخ الإسلامى فحسب وإنما فى التاريخ الإنسانى عامة، وهنا سيطل السؤال برأسه: إذا كان هذا الصراع مشتركا إنسانيا عاما فلماذا تقدمت الأمم وتخلفنا؟ والجواب هو أن الأمم التى تقدمت عرفت كيف تدير الصراع بين التجديد والسلفية لكننا للأسف فشلنا فى إدارته، ووقعنا فى فخ الانقسام بين فصيل يرى الخير كله فى «اتباع» السلف، وفريق آخر يرى الخير كله فى اقتلاع السلف، ناسين أننا لو اتبعنا السلف تجمدنا وتخلفنا ولو اقتلعناه تهنا وبهتنا وانمحونا، فهذه معركة لا ينتصر فيها فريق على آخر، وإنما ينتصر المجتمع ككل إذا ما أيقن بأن بقاءه مرهون بقدرته على تجديد نفسه وإصلاح آلياته وتطوير أدائه ليصبح قادرا على استيعاب مستجدات العصر وإملاءاته.
أمور كهذه يجب التذكير بها الآن فى ظل احتدام المعركة بين المشككين فى تاريخ الإسلام ورموزه، مؤكدين أن أئمة الإسلام هم سبب البلاء من ناحية، والمرابطون على خيام الأسلاف يدافعون عنهم مثلما يدافعون عن آبائهم ويريدون أن يجرونا إلى العصور البائدة، ولن يرضى عنك هذا الفريق إلا إذا اتبعت ملته وزاملته فى سب أئمتنا والتمرد عليه والتنكر لهم، ولن يرضى عنك الفريق الآخر إلا إذا عكفت على أصنام السلف تسبح بحمدهم وتقدس لهم.
المؤلم أننا مازلنا نناقش هذه القضية الآن، بينما أسلافنا طرحوا حلها منذ مئات السنين رافعين شعار «هم رجال ونحن رجال» وكل يجتهد حسب معطيات عصره وآليات تفكيره وقدراته العقلية، وإن كان هناك خلل فى بعض الأفكار السلفية فليس العيب فيمن طرحها لأنه اجتهد بحسب معطيات عصره وربما يكون قد أخطأ وإنما العيب فى من قدسها وجعل مراجعة التفكير فيها كفرا وإلحادا، وفى الحقيقة لو قارنا رموز الفكر الإسلامى برموز الفكر الإنسانى لاكتشفنا أن إملاءات العصر واحدة، وأن لنا الحق أن نفخر بما قدمته حضارتنا من إسهام مبهر فى تاريخ البشرية، لكننا للأسف ظلمنا هذا التاريخ المبهر بتحنيطه وعبادته، وكأننا أتينا بجثث الأسلاف وحكمناها فيما يجرى بيننا مطالبين إياها بأن تفتينا فى أمور لم تدر بها ولم تخطر على بالها.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد لطيف
كلام عقلانى مظبوط