وفاة متهم داخل حجز قسم شرطة، يحمل جانبين للتناول، الأول سوء النية بشبهات الوفاة نتيجة التعذيب، والثانى حسن النية بأن الوفاة الطبيعية لتدهور الحالة الصحية للمسجون نفسه، ولكن تكرار الواقعة فى أكثر من قسم شرطة فى أيام متتالية، يجعل الأمر لافتا ويستحق الوقوف عنده وينقلنا لسوء النية، خاصة إذا كان التكرار داخل قسم واحد «مصر القديمة» ولا يفصل بينهما إلا 48 ساعة.
الواقعة نفسها كشفت عن تفاصيل مؤلمة بشأن وضع المحبوسين احتياطيا على ذمة تحقيقات النيابة وتلقيهم المعاملة اللائقة أم لا وفقا للقانون وباعتبارهم محبوسين احتياطيين لم يصدر بحقهم أى حكم قضائى حتى الآن، من بين المعلومات أن الحجز يضم أكثر من 360 محبوسا فى حين أن مساحة الحجز والتصميم الأولى له مخصص ليستوعب 120 سجينا فقط، أى أن الحجز يضم 3 أمثال الوضع الطبيعى، وبالتالى يترتب عليه نقص التهوية، وتدهور الحالة الصحية لكبار السن وتعرضهم للإغماء فى أوقات، وللوفاة فى أوقات أخرى، وهنا لا يمكن أن نوصف الوفاة بأنها طبيعية، لا.. هى بالأساس وفاة ناتجة عن تقصير من قبل الجهاز الأمنى فى توفير المكان المناسب للمسجونين فى عهدته بحسب القانون والدستور.
الغريب أن واقعة قسم مصر القديمة سبقتها عشرات الوقائع فى المطرية وبولاق الدكرور وعين شمس، وصدر بشأنها بيانات من وزارة الداخلية تؤكد أن التهوية هى السبب، وتحركت مديرية أمن القاهرة فى أكثر من موقف لتركيب مكيفات هواء ومراوح تهوية، ولكن ظل الوضع كما هو عليه فى أقسام أخرى وتكررت المأساة بشكل صادم لا يليق بدولة حديثة تدعو لتقدير المواطن وحمايته سواء داخل السجن أو خارجه.
إلى صناع القرار الأمنى فى البلاد، كلماتى ليست تقليلا لدوركم وتفانيكم فى العمل وتضحيات رجالكم يوميا من أجل استقرار مصر، ولكنها للمكاشفة وتبيان الحقيقة حول وقائع تشوه خدماتكم لصالح البلاد، وتصنع بينكم وبين المواطن المصرى حاجزا انكسر من قبل فى 30 يونيو.
لا عيب أبدا فى الخروج والاعتراف بوجود أخطاء والتعهد بعدم الوقوع فيها، أنتم لستم فى «خناقة» معنا كإعلام أو مع المواطن، جميعنا شركاء فى البلد.