جيل كامل يمثله عبدالرحمن الأبنودى بحروبه وصراعاته وهزائمه وانتصاراته، ومساحات ممتدة من الإبداع. هناك الكثير يبقى من الخال شاعر من كبار الشعراء العرب، ربما تصنع السياسة بعض الغمام سرعان ما يذهب، ليبقى الشعر، والأبنودى شاعر عاش أضعاف عمره، لم يتوقف عن صناعة الشعر حتى أيامه الأخيرة.
كان لدى الأبنودى ما يقوله، فى مناسبات مختلفة، فهو الذى خلد إنسان السد العالى بـ«جوابات حراجى القط لمراته»، وكيف الراجل فى الغربة يبقى كيف عود الدرة فى غيط كمون، غريب، وهو الذى التقط الخيط بين مساندة الوطن الجريح بعد هزيمة يونيو، وبين الكشف عن أسباب الهزيمة «عدى النهار والمغربية جاية تتخفى ورا ضهر السجر».. وهو الذى صنع مئات الأغانى التى تؤرخ لملاحم الناس. وجلس فى مقاعد بجوار السلطة، أو فى مواجهتها، ودفع جزءا من أثمان دفعها جيله الذى كان يدخل السجن ويبدع فى آن.
وفى كل حال كان شاعرا، فى المد والجذر والبيات الشتوى، كان ينتقد السادات من زاوية اليسار العربى، وفى عصر مبارك، كان يراوح مكانه ومكانته، بالنقد تارة، والغناء أخرى، ثم بقى مخلصا للشعر. وترك تراثا من الشعر، فيما بدا أنه أقرب إلى المتنبى الذى مهما اختلفت مع مواقفه، لايمكن إنكار أنه شاعر معجز، يسبقه الشعر ويصعد به إلى عنان السماء.
الأبنودى عاصر شعراء كبارا، بعضهم سبقوه أو عاصروه، فؤاد حداد، صلاج جاهين، أحمد فؤاد نجم، ومن بعده سيد حجاب، وشوقى حجاب، فؤاد قاعود، وغيرهم. ممن خرجوا من عباءات بيرم التونسى وغيره.
للأبنودى وكل من هؤلاء الشعراء طعمه ولونه وإبداعه، الذى يشبه زمن العباسيين. كان جيل الستينيات محظوظا، لأنه أبدع فى الانتصار والهزيمة، وإن كانت الهزيمة ملهمة له والأحزان أيضا، وكانت الخطوط أوضح والدنيا أبسط، وبدت الأجيال التالية تنظر للجيل بحسد وتسعى للتمرد عليه، لكن أحدا لا يمكنه إنكار كون هذا الجيل كان ثريا ومبدعا على طريقته.
لقد واجه الأبنودى مثلما واجه أحمد فؤاد نجم نفس المواقف قبل الرحيل، وبقى بعيدا، لكن بقى كل منهما يقف بإبداعه متحديا: أنا قلت ما عندى كما أردت ماذا أنتم فاعلون؟
كان عبدالرحمن الأبنودى حريصا على أن يصل للناس، يكره العزلة أو التعالى، وكما عبر عن ذلك فى قصيدته « المشروع والممنوع»: «إذا مش نازلين للناس فبلاش».
هناك كثير من الاختلاف حول مواقف الخال، لكن هناك إجماع على كونه شاعرا.. شاعرا.. يعيش كثيرا حتى لو رحل.