قديما.. حينما كان أحدنا يقرر الهجرة أو السفر للعمل فى الخارج، كنا نتنهد ونحن نقول له فى ثقة «البلد دى أحسن من غيرها»، ولأننا لا نملك هذه الثقة الآن، فغالبا ما نعطيه «cv» لعله يجد لنا عملا هناك، حتى تهنئة العودة «حمدلله على السلامة» تحولت إلى فجيعة «أنت إيه اللى رجعك». وأصبح دعاء السفر «يا رب أسافر ومرجعش»، لذلك كان من الطبيعى أن يتلهف الكثير من الشباب على دعوة الهجرة إلى «ليبرلاند» أو «كذبة إبريل» هذه الدولة الخيالية التى ابتدعها مواطن غلبان ليتغلب على سيطرة البيروقراطية والرأسمالية على حياة أمثاله. فتصور أن له دولة مساحتها 7 كم مربع، وبدأ يدعو لها مواطنون. الغريب أن البعض انخدع وأرسل أوراقه واختار أن يترك دولة الثمانية آلاف سنة، وأن يكمل حياته فى دولة جديدة مجهولة. فهل يبحث شباب مصر عن عمل أم مستقبل أم أمل، أم أنهم يبحثون عن وطن حتى لو كان خيالا مجهول الهوية والنسب. ألم يحن الوقت بعد لأن نفكر بجدية فى أسباب ضعف مشاعر الانتماء أو تدنى الرغبة فى البقاء بين الشباب. فهل هو انعدام الفرص أم شح الموارد، أم جمود الحياة وصعوبة التغيير والتطوير أم «هم مشكل». أذكر أن للهند تجربة فى الستينيات وقت أن كانت ظروفها الاقتصادية والاجتماعية مثلنا منيلة بنيلة. وقتها اختارت مساحة شاسعة بعيدة عن العمران وأطلقت عليها «الهند الجديدة» وتركتها لرغبات الشباب وطموحاتهم ومشروعاتهم ومساكنهم وأسلوب حياتهم، ونجحت الفكرة فى خلق مدينة صناعية وسكنية مبهرة خالية من كل المظاهر السلبية القديمة.
وأخذت الهند الجديدة فى التوسع حتى ضمت إليها العديد من المدن والمناطق، وصارت مركزا للمجتمع الهندى المعاصر بكل تطوره التكنولوجى ونموه الاقتصادى. فلماذا لا تتبنى الحكومة مشروعا مماثلا، خاصة أننا لا نملك أكثر من الأرض الفاضية والشباب العطلان. لماذا لا نوفر لشبابنا مدينة جديدة يصنعونها بأحلامهم بدلا من أن تمتص رحيقهم دول مجهولة مهجورة أو يقتلهم حلمهم فى هجرة غير مشروعة. لماذا لا نعطيهم قدرا من الأمل أو أسباب للبقاء أو فرص للعطاء، قبل أن نسألهم فى استخفاف عن ضعف مشاعر انتمائهم وهرولتهم للهجرة والغربة، «وسعوها عليهم يوسعها عليكم ربنا»، فتسعين فى المائة من أرض مصر يسكنها الخراب والعفاريت، والملايين من الشباب مخنوقون محبطون.فأعطوهم فرصة لأن يصنعوا وطنهم، بدلا من أن يبحثوا عن الوطن البديل.