من رزقه الله بذاكرة قوية إلى حد ما سيتفق معى أن كل الأزمات والكوارث سواء التى هبطت علينا أو التى خلقناها بأيدينا يتم رصدها والتعبير عنها بأسلوب واحد لا يتغير أبدا، هذا الأسلوب يتلخص فى "مهولون، ومهونون، ومنتفعون".
أما المهولون فهى شريحة مجتمعية لديها من الفراغ ما يجعلها على أتم استعداد للعب كاندى كراش على مدار 24 ساعة متصلة وتعتبر أى أزمة تحدث مادة خصبة للتنظير والتسلية واللت والعجن الذى لا يمكن أن ينتهى إلا بظهور أزمة تالية.
أما المهونون فهى شريحة مجتمعية أخرى -ضرباها صرمة- تنظر للأزمات بدونية وتتفاعل معها بسخرية وقلش وتحول الدفة فى اتجاه "طنش.. تعش.. تنتعش" وهى الشريحة الأكبر بالمناسبة والأقرب لقلبى.
أما المنتفعون فهى شريحة ثالثة -كريهة ووضيعة فى نظرى- تنقسم إلى قسمين، منتفعون ماديا ومنتفعون سياسيا، المنتفعون ماديا يظهرون بسرعة فى ضوء الأزمة ليحققوا مكاسب مالية تضيف لجيوبهم، والمنتفعون سياسيا يظهرون أسرع منهم ليحققوا مكاسب سياسية تضيف إليهم.
على سبيل المثال لا الحصر أزمة غرق 500 طن فوسفات فى مياه النيل بقنا، كاد "المهولون" أن يمشوا فى الشوارع بمكبرات صوت ليرددوا "لا تشرب المياه الذى أرسلت حمادة إبن أختك يجيبهالك من الحنفية.. المياه فيها سم قاتل"، هؤلاء أشعرونى أن ملك الموت سيحصد روح أى شخص يفتح الحنفية، وأن كل المجهود الذى تقوم به وزارة الرى والبيئة وشرطة المسطحات المائية لمحاصرة المشكلة لن يفيد بشىء والموت قادم الآن لا محالة.. وكاد المهونون أن ينشئوا خط ساخن يتخصص فقط للضحك على غرق الفوسفات فى النيل، فعلا أسرفوا فى عمل الكوميكس والقلشات والسخرية وكأن ما غرق فى النيل كان حبوب زغزغة وليس مادة بها سميات، أما المنتفعون فكانت شركات المياه المعدنية التى حققت أضعاف نسب البيع وبأسعار أعلى مستفيدة من قوة التهويل واللغط الذى حدث حول المسألة -قلت مستفيدة من قوة التهويل ولم أقل مشاركه فى قوة التهويل لأنى أفضل افتراض حسن النية حتى ولو كنت لا أعتقد حسن النية- أما منتفعو السياسة وخاصة الشبكات الإعلامية لتنظيم الإخوان ومن على شاكلتهم فكانت الفرصة على طبق من ذهب لعمل زفة بلدى للحكومة والنظام وتشدقوا حتى الثمالة باتهامات لا آخر لها ولا أول وتغنوا حتى مطلع الفجر بمواويل الإهمال والفشل والتسيب ويا خرااااب بييييتك يا عمدة.
نفس الأمر حدث مع كارثة غرق شوارع الإسكندرية من قبل فى مياه المجارى، قام المهولون بدورهم وقام المهونون بدروهم والمنتفعون أجروا مراكب تسير فى الشوارع لنقل المواطنين بمقابل مادى انتهازى والمنتفعون الآخرون نعتوا الحكومة بوابل هجوم قولى ولفظى فاق كل الحدود، أقول هذا مع العلم أنى لست ضد الهجوم على الحكومة لو حدث إهمال أو تسيب أدى لكارثة لكنى ضد أن يكون وراء ذلك منتفعون لا تعنيهم المصلحة العامة تعنيهم فقط المصلحة الشخصية.. عموما أنت يا عزيزى القارئ لست مضطرا لسماع ما يقوله المهولون، ولن تصيب كبد الحقيقة لو سمعت فقط لنكات وقفشات المهونون، وعليك أن تكون أذكى بكثير جدا من مساعدة المنتفعون، عليك أن تحدد إلى أى نوع ينتمى من يعقب على الأحداث لتعرف كيف ستكون أنت وجهة نظرك حولها فترى الصورة من أفضل زاوية.. كل أزمة وأنت طيب.