تابعت بمزيد من الاهتمام كلمة الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر الشيخ أحمد الطيب خلال الندوة التحضيرية لمؤتمر التجديد فى الفكر والعلوم الإسلامية، وذلك لأنه تناول فى كلمته مفهوم الخطاب الدينى متحدثا عن «تجديده»، وسعدت حقا بكلمته التى قال فيها إن الأزهر ليس متحفا من متاحف التاريخ وإن الخطاب الدينى يتعرض لسوء فهم من جانب الكثيرين، وهؤلاء الكثيرون من وجهة نظرى هم أهل التشدد الذين يرون أن تجديد الخطاب الدينى يعنى الرجوع إلى «السلف» وتخليص الدين من «موبقات الحداثة» أو أهل «التفسخ» الذين يريدون أن يفتعلوا المعارك الإعلامية بوقاحة مقيتة.
وقد حازت تلك الكلمة على كل اهتمامى لسببين، الأول أننى أحترم الشيخ أحمد الطيب، وأكن له كل المحبة والتقدير، وأعتبره أحد أهم من تولوا مشيخة الأزهر، والثانى هو أن «معركة» تجديد الخطاب الدينى تشغل الجميع الآن بل إننى أزعم أنها تصدرت كل معاركنا- بقصد أو بدون- لأسباب عديدة آخرها هو الرغبة فى تجديد الخطاب حقا، ولأنى على قناعة تامة بمدى استنارة الشيخ الطيب وتعمقه فى فهم الدين الإسلامى على الجانبين الروحى والنصى، فإننى أشد على يديه كى يتولى زمام المبادرة فى تلك القضية، وأن يوليها أقصى عناية وأشمل رعاية.
أتفق تماما مع فضيلته فى القول بأن الأزهر ليس متحفا من متاحف التاريخ، لكنى أيضا أخشى من أن أقول إن هذه المؤسسة العريقة قد انحدرت فى الكثير من فتراتها إلى ما هو دون «المتحف»، فعلى الأقل يعرض المتحف قطعا فنية من مختلف الأشكال والأحجام والأنواع والعصور، أما فى حال الأزهر فقد انغلقت هذه المؤسسة الكبيرة على نفسها وأصبحت لا تصدر لنا إلا خطابا واحدا، وللأسف فقد تغلب الخطاب السلفى على عقول الأزاهرة، وأصبح وجود عقل مستنير مثل عقل شيخ الأزهر أمرا نادر الحدوث.
ليست المعركة الآن بين المثقفين والأزهر، ولا بين الحداثة والرجعية، وإنما معركة وطن يبحث عن تكاتف أبنائه من أجل نيل قدر من الاستقرار الذى يمكنه من بناء مستقبل سليم، وإنى لأتعجب كيف ينادى المثقفون بقبول الآخر حتى لو كان مختلفا فى الرأى والعقيدة فى حين أن بعضهم يريد نفى الأزهر من التاريخ، كما أتعجب كيف يتلو الأزاهرة قول الله تعالى «قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم» فى حين أنهم يتعاملون مع المثقفين بمبدأ «هم العدو فاحذرهم».
مرة أخرى أنادى بأن يتعاون الأزهر الشريف مع وزارة الثقافة فى إنشاء مركز لتحقيق التراث وتنقيحه تحت اسم الإمام «محمد عبده» وأن يتبع الجميع داخل هذا المركز فى عملهم المنهج العلمى فحسب، وأن يتناقش أهل الاختصاص فيما يختلفون فيه بمحبة وود واحترام، وأن يخرجوا لنا نتاج عملهم دون بلبلة أو شوشرة أو استعراض إعلامى أو مزايدة.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
منتصر كيلانى
تعقيد البسيط و التغاضى عن الواضح..