تابعت، شأنى شأن الملايين فى مصر، المناظرة التى دارت بين الأستاذ إسلام البحيرى من جهة، وفضيلة الحبيب على الجفرى، والدكتور أسامة الأزهرى.. وخيرى رمضان، من جهة أخرى، والواقع أننى لم أر أى مناظرة، لكننى وجدت تسفيها لشخص إسلام البحيرى، وإن كان تسفيها بابتسامة مهذبة، كم أحترم وأقدر، بل وأؤمن ببركة مولانا الحبيب على الجفرى، وأعلم قدر الدكتور أسامة الأزهرى، لكن المناظرة بدت وكأن هناك تعمدا لفهم ما يقوله البحيرى بشكل خاطئ، وتسفيهه، هذا الأسلوب ليس بغريب أو جديد، هو أسلوب يتبعه كل من لا يريد مناقشة حقيقية، لأنه يعلم أنه لن يتحرك من موقع اقتناعاته، كما أنه لن يفلح فى إقناع الطرف الآخر، فتراوحت المناقشة ما بين: حاول تقرأ وربنا يهديك، وما بين اصطياد إسلام البحيرى فى صياغة الجملة لا فى فحواها، وخير مثال على ذلك:
إسلام: الشافعى ضعف أحاديث رواها البخارى.
الأزهرى: أنت بتقول الشافعى والبخارى، والشافعى مات قبل البخارى بكتير يبقى ازاى ضعف أحاديثه؟
إسلام: أنا ما قلتش إنه كان عايش وقت البخارى.
الأزهرى: طب كويس إنك رجعت فى كلامك.
إسلام: ما رجعتش فى كلامى أنا ما قلتش كده.. أنا باقول إن الشافعى ضعف أحاديث بعد كده رواها البخارى.
خيرى رمضان: بس أنت ما قلتش بعد كده.
وبالرغم من تأكيد عدد كبير من الناس أنه استفاد من المناظرة، فإننى بشكل شخصى لم أستفد منها، وكنت أود الاستفادة، كما بدا لى أن هناك تعليمات عليا تلقتها الصحافة للترويج لفشل إسلام البحيرى فى المناظرة، أسلوب التنويم المغناطيسى اللى الإعلام بيعمله طول الوقت ده، وتأكد شعورى هذا بعد بيان قناة القاهرة والناس الذى خرج علينا ليوضح أسباب وقف برنامج البحيرى، وقد هالنى أن تقول قناة القاهرة والناس فى بيانها، إن سبب وقفها للبرنامج هو «الحفاظ على وجه الإسلام الصحيح» و«عملا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته»، وهنا أشعر باحتياج شديد إلى وجود خالد عبدالله بمقولته الشهيرة: يا واد يا مؤمن، قناة القاهرة والناس التى اعتمدت فى برامجها على الخوض فى سير الناس وأعراضهم، والتسبب لمواطنين أبرياء عزل، فى خراب بيوتهم، وتشويه سمعتهم، تمنع برنامجا لإسلام البحيرى حفاظا على وجه الإسلام الصحيح! وهل من وجه الإسلام الصحيح اتهام المواطنين بممارسة الشذوذ، وبعد ذلك تتكشف براءتهم بحكم المحكمة، وعقب الكشف الطبى عليهم؟ وهل من وجه الإسلام الصحيح إذاعة مكالمات المواطنين الخاصة على مدى عام كامل؟ وهل من وجه الإسلام الصحيح التكريس لبرامج يتهم فيها المذيعون بعض المواطنين بالعمالة والجاسوسية دون بينة أو دليل؟
لا أعلم فى الحقيقة سر كل هذا الحماس ضد إسلام البحيرى، الذى لم يدع لقتل، ولا لحرق، ولا لتكفير، كل جريمته أنه فكر خارج الصندوق، لم يشكك فى القرآن، أو فى سيدنا النبى محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله، بل على العكس، يحاول جاهدا درء شبهات بعض الأحاديث فى الكتب القديمة، استغلها المستشرقون للتشكيك فى نبوة الرسول، لم أجد كل هذا الحماس لمناظرة، أو منع من يقولون بالقتل والتكفير، لم أجد الدولة تقوم على شخص قال إن «كل امرأة عامية لا يؤخذ منها علم وأى امرأة جاهلة بطبيعتها.. علم إيه ده اللى يتاخد من الستات؟»، بالرغم من أن الأمة أخذت ما يقرب من ثلثى علمها من السيدة عائشة أم المؤمنين، لكن الجميع يشحذ همته لرد ما سموه «شبهات» شخص يفكر ويناقش ويحاور، لا يرغب سوى فى أن يزيل شبهات كتب قديمة، والجميع مستعد أن يضحى بصورة النبى نفسه، فى مقابل الحفاظ على مرجعية تلك الكتب القديمة.