صناعة التليفزيون فى مصر صناعة ضخمة، تتعلق بكل مكونات العمل التليفزيونى فنيا وتقنيا وإداريا وماليا، ويعمل بها آلاف الإعلاميين والفنيين والإداريين فى إعلام الدولة أو القطاع الخاص، وأعتقد أنها الصناعة الأكبر بين مثيلاتها فى المنطقة العربية، وهى بالرغم من كل سلبياتها لا تزال تمثل أحد مكونات ما تبقى من القوة الناعمة المصرية، فمثلا برامج التوك شو ونجومها حديث إخواننا فى العروبة من الخليج إلى المحيط. هذه الصناعة تواجه مشكلات هائلة ومصيرها غامض حتى يمكن القول إنه لا مستقبل لها، وقد تتراجع كما تراجعت صناعة السينما، وأهم هذه المشاكل:
أولًا: إن ملاك الصناعة لا يدركون أنها صناعة، لها قواعد وأسس علمية فى الإدارة والتشغيل والتمويل والتخطيط والمتابعة والتطوير، وبالتالى نجد الحكومة تدير القنوات العامة فى ماسبيرو بطرق بيروقراطية قديمة، تحافظ على الحضور والتبعية للدولة، بغض النظر عن مستوى المضامين والأشكال الإعلامية ونسب المشاهدة، لذلك تراجعت قنوات ماسبيرو، وهربت الإعلانات، ومع ذلك لا تزال الإدارة والتشغيل والمتابعة كما هى من دون تغيير، أما رجال الأعمال الذين يديرون القنوات الخاصة، فهم يتدخلون فى الإدارة والإنتاج والتشغيل، وأغلب القرارات تفتقر للرشادة المالية والفنية، لأنهم بصراحة يتعاملون مع قنواتهم باعتبارها أداة للدفاع عن مصالحهم والضغط أو التقرب من السلطة.
ثانياً: إنها صناعة بلا قواعد أو قونين منظمة وبدون رقابة قانونية أو مجتمعية على مصادر التمويل والمضامين المقدمة، فالتشريعات التى تنظم الصناعة قليلة وسطحية، ولا تتواكب مع التطور فى تكنولوجيا البث، من جانب آخر لا يحترم أصحاب القنوات - لأسباب كثيرة - قواعد صناعة التليفزيون فى العالم، ويضعون نظما وقواعد خاصة بهم، لا علاقة لها بالقواعد المهنية والإدارية المعمول بها فى صناعة التليفزيون فى العالم، والتى انتهت مثلاً إلى ضرورة الفصل بين الملكية والإدارة، وان تكون القناة لسد حاجة فى المجتمع، مع اشتراط التمويل الضخم والإنتاج الكبير، ما يدفع إلى تعاون أو اندماج أكثر من قناة لخلق كيان كبير قادر على المنافسة، هذه القاعدة لا مكان لها فى مصر، حيث نجد شخصا يطلق قناة بتمويل ضعيف للغاية ليتحدث منها ويعظ الناس، وأشخاص آخرون يطلقون قناة لبث أفلام مسروقة أو لتفسير الأحلام أو للترويج عن بعض السلع والخدمات، وهناك قنوات ليس لها رؤية أو أهداف معينة، وبالتالى لا تستهدف جمهورا معينا، وقناة كانت تبث فى شهر رمضان فقط.
ثالثا: عدم وجود شركات مستقلة لإجراء بحوث علمية دقيقة عن معدلات المشاهدة للقنوات المختلفة، ورد فعل الجمهور فيما يقدم لهم عبر الشاشات، وبالتالى تضيع حقائق أساسية عن مدى انتشار تلك القنوات، ومدى تفضيل المشاهدين لبعض البرامج والمذيعين، ما يفتح الباب واسعا لادعاءات وأكاذيب حول تفوق تلك القناة أو أن هذا البرنامج هو الأكثر مشاهدة، والحقيقة أنه لا توجد صناعة تليفزيون ناجحة فى العالم بدون بحوث المشاهدة التى تقدم بيانات، تقوم عليها بحوث الإعلام واختيارات المعلنين، والأهم عمليات المراجعة والتطوير والتخطيط التى يجب أن تقوم بها كل قناة على مدار العام.
رابعا: التقليد وضعف الابتكار والتجديد، فالقنوات العامة والخاصة تنتج مضامين وأشكالا متشابهة تفتقر إلى التنوع والتجديد، ما يشعر المشاهد بالملل ويضعف من فرص القنوات المصرية على منافسة القنوات العربية والأجنبية، وتكفى الإشارة هنا إلى كثرة وتشابه برامج التوك شو السياسية بعد الثورة، حتى بدا أن المذيع أو المذيعة هما مصدرا التغيير الوحيد، وأصبح الجمهور يميز بين القنوات والبرامج بأسماء المذيعين، وحاليا انتقل التكرر والتشابه إلى برامج الطهى والكورة وبرامج التسلية والمسابقات من دون محاولات جادة للخروج من هذا الصندوق.
المشكلات الأربع وغيرها تهدد صناعة التليفزيون التى نمت بسرعة بعد 25 يناير، لكنها الآن دخلت مرحلة الأزمة، فكثير من القنوات تغلق، وكثير من القنوات التى يقال إنها كبيرة تنهى خدمات عشرات العاملين فيها، وهؤلاء هم أضعف حلقات السلسلة، لأنه لا نقابة تدافع عنهم أو تساعدهم.