تلك حكاية قصيرة آتية من عالم آخر، فيه يقيم الشتاء طوال العام ولا يشتاق الناس للصيف، فيه الناس لا يحبون النوم، فيسهروا ليودعوا القمر ويتأكدوا من عدد النجمات ثم يستيقظون مبكرا ليشاركوا فى طقوس استقبال الشمس اليومية.
"عبر الحلو وحيا".. أغنية وجدتها بينما كنت أوغل فى بحار فيروز. بالرغم من أنها ليست من الأغانى الشهيرة التى لونت فيها فيروز بصوتها كلمات وألحان الأخوين رحبانى إلا أنها تفيض روعة وجمالاً.
"عبـَر الحلو وحيـّا والعبير انتشرَ.. قمر حلو المحيـّا فى حمانا سهِـرَ"
"خاطرا كالحلم فى زهو الحرير.. طاف بى والمنحنى لحن شجى"
قد عبر الحلو، تشابكت اقماره فى ثياب ذلك المسكين وانتهى الامر فأخذ يروى ما صار. مجرد مروره كالحلم وتحية عادية تلقى آلاف المرات، كلمات أهلكها الناس قولاً لكن حين تأتى من الحلو يكون الأمر مختلفا، ينتشر العبير ويصدع لحن شجى..
"فإذا الليل على الدرب الوثير..سندسى عابقٌ بالأرجِ"
"ثقـُل الحب على وحبيبى ما درى..فاعذرى قلباً فتيا إن بكى وانتظرَ"
كل ذلك صنعه مرور الحلو ! حول لون الليل الذى يفترش الطرقات إلى حديقة غناء يفوح منها عطور ملونة. ربما أيقن أن النجوم بعيدة جداً وما من محاولة عدها جدوى. وعله قد لاحظ أنه بالغ قليلاً فى كلماته، فأسرع بإلقاء عذره لنا عما الم به " فاعذرى قلباً فتيا إن بكى وانتظرَ "..
"يا غراماً طى أهدابى يقيم.... كلما جاء الضحى قلت انمحى"
"فإذا ما عاده الليل القديم.... نفض النسيانَ عنه وصحا"
إنها تلك الدائرة التى يدور بها. كلما أشرق يوم يستيقظ وقد قرر أن يمحو صورة الحلو من مقلتيه ويبتلع خيبته ويرحل عله يحفظ ألوان قلبه لكن ما إن يحل الليل حتى تتكسر كل العهود كقطع البلور وتصرخ كل الذكريات، وتعود لتشتعل مرة أخرى. فيظل يركض كسجين أبصر الحرية تشتعل أمامه بالأغنيات.
والآن إلى أى حد يشبه ذلك الحلو الدنيا، حين تمر بنا أو نمر بها كالحلم، فتلقى لنا ببعض الأمنيات وينتشر عبيرها فى أيامنا. فتغرينا بالأمنيات والسعادة. نبقى نصنع من الأحلام كواكب ندور فى فلكها حتى نمل الركض ويعينا الدوران. أحياناً نظن أنها قد ذهبت طى النسيان. لكن إذا عاد الليل القديم، ليل الذكريات والشجون، تنفض النسيان عنها لتعيدنا إلى بداية الطريق لنظل ننتظر الدنيا تمر بنا أو نمر بها.
ورقة وقلم – أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة