لم يكن الخال عبدالرحمن الأبنودى مجرد شاعر كبير بقدر ما كان إنسانا كبيرا أيضا، قلبه كان يتسع للجميع وظلت روحه شابة حتى آخر أيام حياته.. ولهذا كانت كل أشعاره وستظل قصائد حية شبابية تائره، نابضة بالتمرد والأمل وكأنه كان يصنع هذه الأشعار من خلاياه ومن جذور دمه التى هى جذور الأرض الطيبة.. الأبنودى ظاهرة، بدأ حياته بديوان «الأرض والعيال»، وكان هو خريطة إبداعه الفذ، ومنذ هذا الديوان وقد نحت لنفسه نهراً من الشعر، لا ينافسه فيه أحد.. لقد بدأ الأبنودى حياته الشعرية عملاقا.. بدأ مكتملاً، أدواته يستمدها من تراث مصر ومن كنوزها الشعبية ومن مفردات الموروث العبقرى الذى ميز مصر عن غيرها من بلدان العالم منذ الحضارة الفرعونية، الأبنودى هو ابن الأرض الصعيدية التى لم يهجرها أبدا وإن كان قد تركها سنوات، فقد أخذها معه فى قلبه وفى مخيلته وفى عقله.. كانت هذه الرؤية الصعيدية هى صانعة أحلامه.. يرى فيها تاريخه وحاضره ومستقبله. ولهذا فسريعا أنجز مشروع السيرة الهلالية، وهو المشروع الأكثر صدقاً فى تاريخنا المعاصر.. هذا المشروع قد توج الأبنودى أحد رموز الشعر المصرى منذ بيرم التونسى، هو بلا منازع شاعر الشعب الذى يستحق هذا اللقب لكى يتوجه ويلخص من خلاله مبدعا أصيلا لا يعرف الكذب أو المراوغة أو النفاق.. الأبنودى كان على المستوى الشخصى إنسان شديد البساطة لا تصدق أنه هذا الشاعر العملاق الذى يستحق أن يكون أمير شعراء مصر فى العصر الحديث. كان دائماً
مبتسماً لا يعرف الحزن أو الكآبة.. فهو سريعاً ما يحول الأزمات إلى مواقف عابرة. لا تترك عنده أى آثار أو تحفر فى نفسه أى علامات.. هو استثناء من بين شخصيات المبدعين، لا أعرف رجلاً مثله ترك بداخلى هذا التأثير الكبير وهذه العلامات الفارقة فى حياتى.. كنت أطمئن عليه دائماً.. وأستقبل منه كلما قابلته كل ود وترحاب.. كان بالنسبة لى مثل أبى وأخى وصديقى.. كان يشاركنى مشاكلى وأزماتى وكنت أشاركه أحلامه لمصر.. وكيف كان يستعد للاحتفال الكبير لافتتاح مشروع قناة السويس الثانية.. الافتتاح الذى استعد له بكتابة أوبريت خاص.. نسجه وهو فى أشد حالاته رضاً.. وكنت أطمئن عليه فى هذه الأيام كل يوم لأنى كنت أعرف مدى صدقه ومدى إرهاقه وهو يعمل فى هذه الظروف الصعبة.. كنت أشفق عليه وهو يستخرج قصائده من دمه.. وأقرأ يوميا مربعاته شديدة الحساسية والدقة فى التعبير عن مصر وعمق أزماتها وعمق عبقريتها وعمق رؤيتها.
كان الخال عبدالرحمن الأبنودى حكاء شديد الذكاء والاستمتاع، تود أن تسمع حكاياته الجميلة دائماً وكنت أستأنس لكلماته، وكنت أطمئن لأحكامه.. وأترقب نصائحه، كنت أعتبره الكبير الذى لا يخطئ أمامك أبداً ولا يقصر ولا يتوانى عن فعل يغير من مجرى حياة الآخرين، لأنه كان ذا أحكام جادة وحادة ولا يقبل أنصاف الحلول.. الخال الأبنودى كان المعلم لى والحكيم والقريب إلى حد أننى لا أخجل أن أحكى له متاعبى القريبة ومشاكلى الخاصة.. وكنت أنتظر ما يحكم به وما يقوله.. لم يرحل الأبنودى لأن قصائده لا تموت.. خسرنا الأبنودى الإنسان والقدوة وكنا نستعد للاحتفال بافتتاح قناة السويس وكلماته تشجعنا وتشحذ همم المصريين، لقد ترك الأبنودى ميراثاً من الشعر هو تراث أدبى بارع.. يشهد ببصمة شاعر شامخ يرسم مصر فى قصائد ويرسم النيل فى ضميرنا جميعًا.
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب الاصيل
لا تمل ابدا من احاديثه وحكاويه وتجاربه - هذا هو الابنودى الله يرحمه
بدون