رحل قبل أيام الشاعر العربى الكبير محمد الفيتورى عن 85 عاما، بعد مرض طويل، الوحيد، حسب علمى كما كتبت قبل ذلك، الذى حمل ثلاث جنسيات عربية، السودانية والليبية والمصرية، هو ابن لمتصوف ليبى شاذلى، تربى فى الإسكندرية، ودرس بعد ذلك فى الأزهر، وعمل فى الجامعة العربية والصحافة المصرية، واشتغل كدبلوماسى ليبى فى عدد كبير من عواصم العالم، هو لا شك أحد رواد الشعر العربى الحديث، وكان مع السودانيين الكبار جيلى عبد الرحمن ومحيى الدين فارس وتاج السر حسن، ضمن كتيبة التجديد الشعرى فى الخمسينيات، ونجحوا مع السياب وعبد الصبور ونازك بالفعل فى الانتصار للروح الجديدة التى واكبت حركات التحرر فى العالم كله، تعرفنا جميعا على شعره من كتب الدراسة، هو شاعر القارة السوداء وشاعر العروبة، بالإضافة إلى حس صوفى يغزل القضايا الكبرى بنقائه الداخلى.
فى حواراته الأخيرة لم يتورط مثل أبناء جيله فى مهاجمة الشعر الجديد، وكان يرى أن الروح الشعرية هى التى تحدد قيمة القصيدة، ويرى أن الشعر هو الشعر حتى لو كان نثرا، لم يكن مهمشا كما كتب محبوه، هو انشغل عن الشعر ومخالطة كتابه فترات طويلة، ولكن قصائده القليلة التى كتبها فى ربع القرن الأخير كانت محل اهتمام الجميع، واستقبل ديوانه الأخير «عريانا يرقص تحت الشمس» فى 2005 أحسن استقبال فى مصر، كلنا يعرف أنه من الصعب تهميش شاعر، ولكن الطغاة اتفقوا على تهميش الشعر، من منا ينسى قصيدته البديعة «تحت المطر»:
أيها السائق رفقاً بالخيول المتعبه
قف.فقد أدمى حديد السرج لحم الرقبه
قف فإِن الدرب فى ناظرة الخيل اشتبه
هكذا كان يغنى الموت حول العربه
وهى تهوى تحت أمطار الدجى مضطربه
غير أن السائق الأسود ذا الوجه النحيل
جذب المعطف فى يأس على الوجه العليل..
ورمى الدرب بما يشبه أنوار الأفول
ثم غنى سوطه الباكى على ظهر الخيول..
فتلوت وتهاوت ثم سارت فى ذهول