كثر الكلام وتباينت الآراء وتداخلت المفاهيم وتناقضت الأهداف حول ما يسمى بتجديد الخطاب الدينى، حتى أننا وجدنا أنفسنا فى مواجهة مشكلة جديدة مضافة لكم المشاكل، التى لا تنتهى حتى تصور البعض أن هذا التجديد قد أصبح مشكلة بدلًا من أن يكون حلًا.
ونحن هنا نقصد بلا مواربة الخطاب الدينى بشقيه الإسلامى والمسيحى لما يمثل كلاهما من أهمية من حيث تأثيره المباشر وغير المباشر على سلوك ومعاملات متلقيه مع الآخر الدينى أو الآخر غير الدينى. بمعنى أن المسلم يمكن أن يتأثر بخطاب دينى سلبًا تجاه الآخر المسيحى، وأيضا يمكن أن يتأثر المسيحى سلبًا تجاه الآخر المسلم.. أى أن الخطابين لهما تأثير سلبًا أو إيجابًا على التلاحم الشعبى والتوافق الوطنى والتوحد المصرى. والدين هو ذلك النص الإلهى الذى لا يقبل التغيير، ولكنه يقبل الاجتهاد فى التفسير الذى يتواكب مع الزمان والمكان وتحقيق مصالح البشر.
أما الفكر الدينى فهو ذلك الفكر البشرى فى تفسير النص الإلهى.. ذلك التفسير الذى يختلف باختلاف الرأى وتنوع الرؤى وارتباط هذا التفسير بزمان معين ومكان بذاته فوجدنا ونتيجة لذلك تعدد التفاسير واختلاف الرؤى، التى انتجت طوائف مختلفة وفرق متعددة (كاثوليك – أرثوذكس – بروتستانت – سنة – شيعة.. إلــخ) أما الخطاب الدينى هو تلك الوسائل المتعددة التى تحمل ذلك الفكر الدينى وتوصله إلى مستقبليه عن طريق المسجد والكنيسة والإعلام والتعليم.. إلــخ، وهنا فهل هذا الخطاب الدينى بما يحمله من فكر دينى يدعو إلى قبول الآخر أم العكس؟ هى معضلة حقيقية لابد من مواجهتها فالدين بالنسبة لمعتنقيه هو الحقيقة المطلقة، التى لا تحتاج إلى نقاش وغيره لا يمثل هذه الحقيقة.. فاليهود يعتبرون أنفسهم أنهم هم شعب الله المختار، والمسيحيون يؤمنون أن من لا يعتمد بالماء والروح فلن يعاين ملكوت السماوات، أما المسلمون فهم خير أمة أخرجت للناس.. هنا لا أحد يمكن أن يمنع صاحب دين من إيمانه المطلق بصحيح وحقيقة دينه فهذا حق وطبيعى.. ولكن هذا يكون فى إطار التخندق داخل الدين الواحد دون النظر إلى حق الآخر الذى من حقه أيضًا أن يؤمن بنفس التخندق وذات التمترس.. فلماذا لا نعطى الآخر نفس الحق بالإيمان بحقيقة دينه.
وهذا للأسف لا يحدث، حيث إن كل صاحب دين يتصور أنه يجب على الآخر غير الدينى أن يؤمن بحقيقة دينه.. مع العلم أن الله سبحانه وتعالى هو الذى أراد التعددية فهو الذى جعلنا قبائل وشعوبا لنتعارف.. كما أننا قد أصبحنا لا نمارس الإيمان الحقيقى، الذى وقر فى القلب، ويجب أن يصدقه العمل، بقدر ما أصبحنا نفتش فى الضمائر ونوزع الإيمان والكفر، حسبما نرى وكيفما نعتقد ناسين أن الإيمان لا يوزن ولا يقاس لأن هذا هو اختصاص الله وحده دون سواه.. فبالرغم من هذه القواعد المستقرة، وتلك الأفكار الثابتة مع التسليم بحق كل صاحب دين أن يعتبره ويؤمن به أنه الحقيقة المطلقة، هل الله سبحانه أراد ذلك مع رفض الآخر شكلًا ومضمونًا إنسانًا وسلوكًا؟ وإذا كنا نؤمن أن الله أراد هذه التعددية، التى تتكامل ولا تختلف حول فكرة الإيمان بالإلوهية، التى تجمع كل أصحاب الأديان السماوية، فلماذا نرفض نحن الآخر ونفتش فى إيمانه؟ فرفض الآخر لم يعد رفض المخالف فى الدين، بل أصبح كل دين يرفض أتباعه بعضهم البعض، بل تشتعل الحروب بينهما وباسم الدين.. فلماذا هذا الرفض؟ نعم لا نقبل الدين الآخر لأننا نؤمن بديننا، ولكن هذا خلاف رفض الآخر كإنسان.. فكلنا شعب الله وأبناء الله وقد خلقنا الله. والمسيحى يجب ألا يرفض الآخر، بل يحبه ويحسن إليه. (الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة) فهل بعد ذلك نصر على رفض الآخر.. حمى الله مصر.