لكل منا نصيب.. نصيب فى العمل.. فى الحب.. فى الرزق.. فى المعارف.. فى محبة الناس.. فى موهبة ما، والحصيف مَنْ يعمل على زيادة نصيبه من الأشياء الجميلة والمهمة، لأن لا أحد يعلم بالضبط حجم نصيبه فى أى شىء.
فإذا كنت محظوظًا وأوتيت قدرًا من موهبة الرسم أو الموسيقى أو التمثيل أو الشعر إلى آخره، فعليك أن تكافح وتجتهد وتخلص لهذه الموهبة وتنميها، حتى تستثمرها فيما هو مفيد وممتع لك وللآخرين الذين يسعدون بتلقى نتائج موهبتك.
هكذا يقول علماء الاجتماع، كما يردد الكبار أمام الشباب من باب إسداء النصائح، لكن لم يخبرنا أحد عن موهبة التأمل، أو بتعبير أدق.. نعمة التأمل، رغم أهميتها القصوى للجميع، خاصة للمرء الشغوف بالمعرفة وحب الحكمة.
لا يتوقف التأمل عند أمر وحيد فقط، إنما محظوظ من يرمى بصره فى كل اتجاه، وسعيد من يرهف السمع لكل ما يقال، ذلك أن تأمل ما حولك من سلوكيات الناس وأفعالهم وردود أفعالهم سيجعلك تتفهم أمورًا كثيرة كانت غامضة فى الماضى، كذلك الانتباه جيدًا للكلام الذى يخرج من الأفواه يمنحك فرصة للربط بين سلوك الفرد وكلامه، ومن ثم تستطيع أن تضع - بشكل عفوى - أسسًا معينة للتعامل مع هذا المرء أو ذاك.
أرجو ألا تظن أن التأمل يقف عند حدود النظر فى البشر وأفعالهم، إنما يجب أن يمتد إلى كل شىء، فتأمل الطبيعة وسحرها وجمالها يجب ألا ينسينا تأملها أيضًا فى غدرها وقسوتها وجنونها (الزلازل/ البراكين/ الرياح/ السيول).
لتأمل الحيوانات وسلوكها نصيب لكل إنسان يرغب فى الاستزادة من المعارف عن دنيا البشر، ذلك أن التقارب بيننا وبين عالم الحيوانات أكبر مما يتخيل أحد، ولولا تأمل علماء الحياة البرية ورصدهم سلوك الحيوانات ما اكتشفنا هذا التشابه.
أعرف أن سكان القاهرة من أمثالى محرومون من نعمة التأمل نظرًا للهاث اليومى الذى يلسع عظامنا من أجل الرزق، لكننى أحاول أن أقتنص أى لحظة لأمارس هذه الهواية الممتعة والمفيدة، ولعله ليس غريبًا أن جميع أنبياء السماء وحكماء الأرض تمتعوا بنصيب كبير من نعمة التأمل، فالرسول الكريم كان يتعبد/ يتأمل فى غار حراء، وها هى رياضة «اليوجا» فى الهند تساعد على تعزيز هذه النعمة المنسية من قاموس حياتنا.
باختصار.. تأمل.. تملك ذاتك، تأمل.. تسعد.