ربما أخطر تهديد لعلاقة المسلمين بالمسيحيين انتقال التعصب من جماعات التطرف للعوام غير المنتمين لتنظيمات، مما يعنى اختراق «فيروس التعصب» جهاز المجتمع العصبى، وعلينا الاعتراف بتكرار الاحتقانات الطائفية، ورغم تفاؤلنا بتجاوزها فمازالت السلطات تعالجها بذات الأساليب البالية المُتبعة منذ عقود، ويسطحها الإعلام الخاص، ويتجاهلها الرسمى، ويعمقها الخطاب السلفى المُعادى للمسيحيين دون محاسبة على تحريضهم.
ويحظى الرئيس السيسى بشعبية طاغية بأوساط المسيحيين، فيرونه منقذهم من «حكم الإخوان» الذى تعرضوا خلاله للتمييز، فشهد «عام الإخوان» أكبر موجة هجرة قبطية للخارج، وشاركوا بكثافة بثورة 30 يونيو، وكان السيسى أول رئيس يزور الكاتدرائية لتهنئتهم بعيد الميلاد فى خطوة لم يفعلها أسلافه، وعقب ذبح 21 مسيحيًا بيد إرهابيين بليبيا نفذ الجيش «عملية نوعية» قتل خلالها كثيرين ودمر مخازن أسلحتهم، ووجه السيسى بإنشاء كنيسة باسم «الشهداء». ورغم القرار الجمهورى اشتعلت مشكلة بناء كنيستى «الجلاء» و«الشهداء» بسمالوط وبدت «أزمة كاشفة» أظهرت هشاشة السلطات المحلية، ورضوخها لإملاءات متعصبين حشدوا الغوغاء بقرى مجاورة لمنع بناء كنيسة، وترميم أخرى.
وبين مطالب أهالى قرية «الجلاء» الذين حصلوا على ترخيص بتجديد كنيستهم فى 2004، لكنه لم ينفذ حتى انتهت مدة الترخيص، فسعوا للحصول على تصريح جديد لكنهم فشلوا بتنفيذه، ووضع المتطرفون شروطًا تنتهك القانون وهيبة الدولة بتبجح ودون سند قانونى، وبين «العور» و«الجلاء» لا يختلف الأمر كثيرًا، فرغم تباين الظروف والملابسات لكن تبقى الدوافع واحدة، وأتساءل كمسلم: ماذا يضيرنى ببناء أو ترميم كنيسة، خاصة أنها تستند لقرار جمهورى؟، ومن يقف خلف تعميق «الشروخ الاجتماعية» التى يجتهد المخلصون لترميمها؟، ويبدو أن تملق الغوغاء، وتراخى أداء السلطات شجعهما على إثارة الطائفية، والاستئساد على الدولة.
المحن تنير بصيرتنا لنميز بين «أصحاب القضية» وتجارها، ويضعنا هذا الدرس باختبار لا يحتمل أنصاف المواقف وتمييعها، فمصر تواجه «منعطفًا وجوديًا»، فإما نرسخ دولة القانون، أو نرضخ لإملاءات «جنرالات المصاطب» والمجالس العرفية التى تُشكل سلطة موازية، و«عورة قانونية» لا يقبلها مصرى يتمنى وطنًا يتسع للجميع.
يُذكر أنه بتاريخ 23 سبتمبر 2013 أصدرت بعثة تقصى الحقائق بالمركز القومى للسياسات العامة تقريرًا بعنوان «مضطهدون باختلاف الأنظمة: مسيحيو مصر بين العنف الطائفى وإهمال الدولة»، وأظهر التقرير أن المنيا شهدت أكثر الأحداث عنفًا، خاصة قرية «دلجا» التى شهدت تخريب 27 منزلاً وتشريد 62 أسرة، وعقب فض اعتصامى رابعة والنهضة، توالت الحوادث الطائفية بالمنيا، فنشبت معركة بين قريتى «الحوارتة» و«نزلة عبيد» قتل خلالها أربعة أشخاص، وبعدها أُحرقت جميع منازل المسيحيين بقرية «البدرمان» بسبب علاقة مسيحى بجارته المسلمة.