تفشل السيرة الذاتية لشخص ما فى تقديمه كما يجب، لأن هناك أرواحا كبيرة استمدت نفوذها من محبتها للبشر والوطن والخير والجمال والمستقبل، زكريا الحجاوى من هؤلاء، لأنه كان معنيا بالدفاع عن صوت مصر الحقيقى فى الريف، وعمل على انتخاب الأصوات التى تغنى بعيدا عن الصالونات والإسطوانات، الأصوات التى اختزلت خبرة المصريين مع الصبر ومقاومة القهر.
ولد الحجاوى قبل قرن من الزمان فى المطرية دقهلية، وسط أغانى الصيادين وحوريات البحر والحكايات القديمة المتجددة، درس فى بورسعيد بمدرسة الفنون والصناعات، وأصبح زعيما طلابيا، بعد التخرج عمل فى وظيفة بدد فيها عهدته من البطاطين، لأن هناك بشرا «بردانين»، فصل بالطبع، واتجه إلى مهنة الصحافة، لم يشغل نفسه بما يشغل الصحفيون من بحث عن الأخبار والمصادر التى تمنح النفوذ والشهرة، ولكنه راح يكتب تحقيقات عن الحرف والصناعات البينية والمشغولات اليدوية، ويناشد المسؤولين الحفاظ عليها وإنشاء مراكز لها، واشتغل فى الإذاعة، يجمع الحكايات الشعبية ومواويل الفلاحين وفنون الغجر وفنون الساقية والشادوف من القرى، ويقدمها فى أعمال درامية ينتظرها الناس، وتخلو الشوارع منهم فى توقيت إذاعتها، مثل أيوب وكيد النسا وملاعيب شيحة وأنس الوجود، كان موسوعة فلكلورية.
بعد ثورة يوليو اكتشف عبد الناصر أن البلاد التى يزورها تقدم فنونها المحلية، فكلف الأستاذ يحيى حقى شخصيا بإنشاء مصلحة الفنون، الذى استعان بدوره بصديقه الخبير زكريا الحجاوى، وكان أول عمل هو «يا ليل يا عين» الذى استلهمه من حلاق سكندرى يدعى ياقوت، واستعان فيه بنعيمة عاكف بنت هذا الخيال الصادق، وبمحمود رضا الذى تعلم من السوفيت أصول الرقص، عندما عمل معهم بشركة السويس للبترول، واستعان أيضا بموهبتين عظيمتين فى الموسيقى وهما عبد الحليم نويرة وعلى إسماعيل، هذا غير المغنيين الشعبيين وعازفى السمسمية والربابة والكولة والأرغول والسلامية والإيقاعات، وصاحبة الصوت الشعبى الندى خضرة محمد خضر، التى كانت تسرح بصوتها على البيوت لتكسب قوت يومها.. وتزوجها.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة