قال لى أحد طلابى يعنى إيه حوار مجتمعى؟ وما القواعد التى تنظمه؟ ولماذا لا نسمع عنه فى أوروبا والبلاد المتقدمة؟ ولماذا يفشل دائمًا عندنا؟ أسئلة بسيطة لكنها بالغة العمق والتعقيد.. وترتبط بطبيعة النظام السياسى الذى نريده بعد 25 يناير و30 يونيو، من زاوية إن غياب البرلمان يفرض علينا البحث عن إطار للحوار والتشاور مع القوى والفاعليات السياسية والاجتماعية قبل اتخاذ أو تنفيذ أى قرار، ولا يعنى ذلك أن انتخاب البرلمان يضع نهاية للحوارات المجتمعية، وإنما يمكن أن يقلل منها ومن الاعتماد عليها كآلية لترشيد القرار السياسى.
أما الرقابة الشعبية على أداء الحكومة فى غياب البرلمان فهى قصة أخرى، ربما يقوم بها جزئيا الإعلام بالرغم من المشكلات التى يعانى منها، وبالطبع إذا انتخبنا البرلمان فإنه سيقوم بالرقابة جنبا إلى جنب مع الإعلام الذى يمكن أن يراقب وينتقد أداء البرلمان من هنا يصح القول بأن الإعلام الحر هو سلطة رابعة فى أى مجتمع.
أعود إلى الأسئلة الصعبة عن الحوار المجتمعى، وأقول إن تجاربنا ليست مشجعة فى الحوارات المجتمعية، لأن الإطراف المشاركة فيها قد لا تمثل المجتمع أو القوى السياسية، خذ مثلا مشاركة أحزاب وائتلافات شبابية وجمعيات مجتمع مدنى كرتونية، لا يعرفها أحد، ولا يزيد عدد عضوية كل منها عن عشرة أفراد أحيانًا تربطهم المصلحة!! أو القرابة!! والكارثة إن هذه الكيانات الكرتونية تجلس على مائدة الحوار جنبًا إلى جنب مع أحزاب أو حركات حقيقية وكبيرة نسبيا ولها تاريخ سياسى طويل، وغالبا ما تنجح الكيانات الكرتونية فى رفع صوتها أو الدخول فى قضايا جانبية تبدد طاقة كل شركاء الحوار.
القصد لا توجد معايير واضحة لاختيار المشاركين فى الحوارات المجتمعية، وفى العادة يستبعد قادة وممثلى الشعب الحقيقيين، فلا نجد مثلا تمثيلا مقنعا للقبائل أو للنقابات والأقليات فى المجتمع، والأخطر من كل ذلك أن الحكومة هى التى تدعو وتنظم الحوارات المجتمعية، وهى طرف غير محايد، وبالتالى تختار بمزاجها من يشارك فى الحوار أو لا يشارك، ثم تنفرد باتخاذ القرار وتدعى أنه جاء بعد حوار مجتمعى حدث فيه توافق عام أو ذهبت الأغلبية إلى هذا الرأى. أتصور أن الحوار المجتمعى الدائر حول تعديل قانون الانتخاب يجسد الحالة التى أتحدث عنها فالحكومة هى المسؤولة عن كل هذا العك القانونى، ومع ذلك هى التى تقود الحوار!! وأخشى أن تعيد إنتاج فشلها من جديد.
لابد من احترام عقل الشعب خاصة الشباب، وضمان درجة أعلى من الاستقلال والشفافية فى الحوارات المجتمعية، وفى هذا السياق أشير إلى الحوار المجتمعى بشأن تقديم الانتخابات الرئاسية عن البرلمانية فى جمهورية عدلى منصور فقد حقق درجات معقولة من المشاركة الشعبية والانتشار الجغرافى، ولابد من تكرار هذه التجربة الناجحة وتوسيع مجالها بحيث تشمل المحافظات والنقابات والأحزاب والجامعات، وبشرط أن تقوم جهات محايدة بتنظيم هذه الحوارات واختيار المشاركين فيها ونشر نتائجها، واقترح أن تتولى الجامعات أو هيئات مستقلة كالمجلس القومى لحقوق الإنسان تنظيم وإدارة الحوارات المجتمعية، ولا داعى لتكرار فشل الحوارات المجتمعية بتكليف صحيفة أو قناة تليفزيونية بتنظيم هذه الحوارات التى لاغنى عنها لصحة المجتمع وترشيد القرار السياسى وتفعيله.