سأل الأستاذ طلابه: هل القيم الأخلاقية ثابتة على مر العصور؟
لم يتردد أحد من الطلاب- عددهم 15 طالبًا- فى القول إن الأخلاق ثابتة على الدوام، لكن الأستاذ ابتسم، وقال بنبرة يشع منها نور العلم ببواطن الأمور: لا أيها الطلاب الطيبون، القيم الأخلاقية ليست ثابتة، بل هى تختلف من زمن لزمن.
ثم توقف ليلمس أثر كلامه على وجوه الحضور، فلما اطمأن أنه أثار عقولهم زادهم من الشعر بيتا وهتف:
ما رأيكم فى أن الأخلاق لا تختلف من زمن لزمن فحسب، وإنما تختلف من مكان لمكان فى الزمن الواحد!
طارت عصافير الذهول فى قاعة الدرس، وبدأت الهمهمات فى ارتفاع، ومضت الحيرة تلون وجوه الطلاب، لكن الأستاذ لم ينتظر انفراط المشهد، وأشار لهم أن يهدأوا، وراح يشرح ما أربك عقولهم، فقال: تأملوا تاريخ البشرية المكتوب، تجدوا أن الأخلاق فى عصور العبيد لم تكن تحرّم بيع الإنسان وشراءه على سبيل المثال، فكان المرء مثل السلعة، يمتلكه إنسان آخر يفعل به ما شاء حتى القتل، والقانون يؤيد هذه المفاهيم «الأخلاقية» ويحميها آنذاك!
الأمر نفسه ينطبق على علاقة الرجل بالمرأة، ولن أغوص فى كهوف التاريخ، وإنما سأتحدث عن عمل المرأة، ففى مصر قبل قرن من الزمان تقريبًا لم يكن مسموحًا للمرأة–من باب الأخلاق–أن تعمل وتشارك الرجال «الغرباء» مكان العمل نفسه، كما لم يكن مسموحًا لها بتلقى العلم فى المدارس (أول فتاة مصرية حصلت على الثانوية العامة كانت نبوية موسى فى عام 1906).
أما الآن، فالمرأة تشارك الرجل قاعات الدرس وتقتسم معه الوظائف، والأخلاق الشائعة تؤيد ذلك بشدة ولا تستنكره.
ثم توقف الأستاذ فجأة وأمر طلابه أن يجيبوا عن هذه الأسئلة: هل هناك فروق فى مفهوم الأخلاق لدى الأثرياء والفقراء؟ وما هى؟ ما أوجه الاختلاف بين أخلاق أبناء المدينة وبين أخلاق أهالينا فى الريف؟ وما جوهر الاختلاف بين الحكام والمحكومين من حيث المنظومة الأخلاقية التى تحكم كل منهما؟
فرح الطلاب بالأسئلة وانهمكوا فى التفكير.